
كانت السجادة العقيقية تنمو معها وتكبر كلما كبرت فحياكة السجاد اليدوي بطيئة تستغرق وقتا طويلا وبالخصوص السجاد المميز ذو العقد الكثيفة. كانت تغريها الخيوط الملونة وهي طفلة صغيرة فتمد يديها لتشدها فتصيح بها أمها وتنهرها فتبكي وتركض إلى حضن أبيها الذي يسكّن روعها.
عندما نقرأ معالم الوجه الأنثوي وتفاصيله الدقيقة ثم نرسُمه بدقة فينبض بالحياة نشعر بمتعة رهيبة تضاهي القفز بمظلة من طائرة تحلق خارج الغلاف الجوي على حافة الفضاء كقفزة (فيلكس) في دعاية (الرد بول) الشهيرة، (الشراب الذي يعطيكِ جوانح) أي يخلق لك أجنحة تحلق فيها في الأعالي.
أمي في السبعينات من عمرها المبارك. تمكثُ في البيت طوال الوقت. تذهبُ فقط مرة واحدة في الشهر للمستشفى إن احتاجت ذلك. ننقلها على كرسي متحرك أنا وأخي والخادمة
كنت أجلس قبالتها على أريكة طويلة مغطاة بملائة صوفية أقرأ كتابا. غرقتُ في صفحاته ونسيت وجودها بالقرب مني. ايقظتني بصوت عالٍ لأنها لا تسمع جيدا فترفع صوتها عندما تتحدث. قالت بحسرة وهي تتنهد
أشعر بالملل الشديد! لم يزرني أحد اليوم! الدقائق طويلة كنجوم في السماء أعدها ولا تنتهي
ثم باغتتني بسؤال لم تسأله من قبل: ألا تشعرين بالملل! أنت لا تخرجين من المنزل مثلي! تحبسين نفسك في غرفتك طول الوقت
نظرت له بجمود غريب. لم تنبس ببنت شفة وكأن جبلاً من الجليد حطَّ في شغاف قلبها وسرت حبات الثلج الباردة في عروقها. لم تتوسل مثل كل مرة. لم تكرر على مسامعه إنها لن تعيد الكرة ولم تَعِدُه بشيء. لم تُقبل رأسه بخنوع ليسامحها كما في السابق. لم تُسرع لتسخين الطعام وإعداد الشاي والأرجيلة له وحتى لم تبدو على وجهها أية مشاعر. أدركت بإحساسها الأنثوي وجود امرأة جديدة في حياته.
هن مربيات صانعات الأجيال. تخرجت على أيديهن الطبيبة والممرضة والمهندسة والرسامة والكاتبة والمعلمة وربة المنزل، يعلمن النشء بكل جد وتفان وإخلاص. يخلقن أجيالا مبدعة تتطلع نحو السمو والعلم والازدهار. مجموعة من خمس معلمات يسكن نفس الحي الذي تقع فيه المَدرسة. لكن المديرة تسميهن: "المعلمات التافهات" وشاعت هذه التسمية بين الجميع
اسكتتها أمها عن الكلام: زائدة كفي عن الثرثرة وقتل الوقت! اقرأي القصة التي اشتريتها لك قبل شهر ولم تنتهي منها. أمسكتْ بالكتاب وتظاهرتْ بالقراءة. في غفلة من والدتها وضعت الجوال في وسط الكتاب. بدأت رحلتها من صفحة إلى صفحة في العالم الافتراضي.