عِطرٌ يليقُ بِكِ
جسدي مصلوبٌ بمسامير الصيف الحارقة والسحابُ تراكم على زجاج نظارتي فصرت لا أبصر إلا ضباباً. وصلَ متأخراً بعد أن انتظرتُهُ في الشارع لأكثر من نصف ساعة تحت لهيب شمس طحنت ما تبقى من صبر في قارورة روحي . عندما ولجتُ السيارة كانت تتمرغ فيها روائح تبغ ثقيلة مختلطة بروائح عرق نفاذة لمن افترشوا قبلي المقاعد الجلدية المتقرحة
ألححتُ عليه بأن يدير جهاز التكييف البارد فاستجاب متذمراً وأغلق كل النوافذ. وكأنه لم يكتفي بالتلوث الذي خَلّفَتهُ هذه الروائح الكريهة في فضاء مغلق يتشاركه مع الآخرين فسارع متنمراً بالتهام سيجارة أخرى بدون استئذان . انتحبت رئتاي وداهمني سيلٌ من الكحة مصحوبة بزئير لبؤة فقدت أطفالها الرُضع فطلبتُ منه الوقوف مفضلة المشي للمقهى في الهواء الملتهب على مضغ السجائر المقيتة معه
:وصلتُ لاهثة تتصبب عبائتي قهراً لأقابل صديقتي بعد عودتها من السياحة في الخارج. بادرتني مستفسرة
!لقد تأخرتِ -
… معذرة، إنها الرائحة! كانت.. السيارة -
. قاطعتني نوبة عطاس افترستها فعصرتْ أنفها بمنديل ورقي عدة مرات فأحمر كياقوتة مضيئة
: قالت بصوت مكتوم وهي تسدّ أنفها
!الفندق أيضاً كان ملوثاً به رائحة. رائحة الفقر -
:سألتها باستغراب
!للفقر رائحة-
: تابعت الحديث بصوت مكتوم وهي تمسح أنفها بالمنديل الورقي
!يتعمدون عدم غسل الشراشف وكنس السجاد وتنظيف الغرف بشكل جيد لتنبثق منها الروائح المقززة لتسخر من فقرنا-
: ثم لمعتْ عيناها ببرق خاطف
!تُعَيِّرُنا بأن العطر لا يليق بنا-
كتابة ورسم نجاة الشافعي
إهداء
إلى صابرين علي
رفيقتي المُلهِمة
٥ مارس ٢٠٢٣م