كان اِبني
اعتدتُ على سماع صوته يتكلّم ويجادل، يهمس ويصرخ، يضحك ويبكي عندما تنبعث أحلامه من رأسه في ساعات الصباح الأولى.
أوقظه في الثامنة. أحمّمه ثمّ ألبسه ملابسَ نظيفة بدل المتّسخة. أعدّ له الفطور. أطعِمهُ بيضة مهروسة، وموزة مستوية، وأشرّبه كوباً من الحليب الدافئ. أقعِده على كرسيّ متحرّك. نجلس معاً في حديقة المنزل. يتأمّل ما حوله، ويعدّ على أصابعه: الحَمامات، النملات، النحلات، الغيمات، وهو يستمتع. يغفو برهة ثمّ يستيقظ. يتفحّص ملامح وجهي بشرود. يناديني باِسم أمّي المتوفاة، قد أكون هي في ذاكرته النائمة.
عيناه تتحدّثان معي أكثر من شفتيه. أفهم إذا كان مبتهجاً أم مكتئباً، مطمئناً أم خائفاً، مرتاحاً أم قلقاً، وإن كان بحاجة للطعام أو الحمّام. أقرأ له في الحديقة كتبي المفضّلة، ينصت باهتمام وفجأة يستلّ الضحكات عندما يحطّ عصفور بالقرب منّا أو قطّة تتسلّق الجدار فأبادله التبسّم والضحك. يتمتم أحياناً بكلمات لا أفهمها وأهزّ رأسي باهتمام. حين تصحو ذاكرته يسألني عن إخوتي وأخواتي فاكذب عليه. أخبره بأنّهم جاؤوا لزيارته عندما كان نائماً فيبتسم سعيداً، ويقبِض على يدي بحنان فأحتضنه، وأقبّل رأسه. حياتنا اليوميّة رتيبة في جميع تفاصيلها الصغيرة والكبيرة؛ لكنّها شاقّة لأنّ العناية بطفل بحجمه يحتاج قلباً كبيراً.
أجلسنِي على كرسيّ المتحرّك. يقرأ لي كتبي المفضّلة في الحديقة، ويقبِض على يدي بحنان. أناديه باِسم أبي وأنا أتحدّث معه. يهزّ برأسه ويبتسم.
كتابة ورسم: نجاة الشافعي
ملحوظة: تصميم الموقع لا يتيح وضع علامات الترقيم بشكل صحيح