سالبة بانتفاء الموضوع
في فترة الخطوبة كان يحدثني لساعات طويلة ويزورني باستمرار. نخرج سوية للمطاعم والمنتزهات والأسواق في كل أسبوع، فيمر علينا الوقت بدون أن نشعر لشدة سعادتنا. لكن بعد عدة شهور انقلبت الأمور وكأن بركاناً خامداً نهض فجأة واجتاح كل ما في طريقه من حب واهتمام. صار يحدثني لعدة دقائق ويزورني فيما ندر ولا نخرج إلا حوالي مرة أو مرتين في الشهر. وعندها نسير مكتئبين على رأسينا الطير أو نتحدث باقتضاب. كلما لـُمـته تدبّ الحياة في علاقتنا المريضة، ثم يعود الثلج ونستمر بين مد وجزر. عندما رأيتُ لوحة ممدة على الأريكة في شقته لرسامة مغمورة شممت رائحة نفاذة زكمت أنفي. سألته عن اللوحة وصاحبتها فأنكر أنها تخصه. قال بانزعاج لتحقيقي معه بأنها لأحد أصدقائه أحضرها ونساها عنده. أليس لديكِ ثقة فيني! أنتِ شكّاكة! وعلا صراخه ووعيده
في كل مرة يُلقي الكرة في ملعبي: أنتِ لا تحاولي لإنجاح علاقتنا. أنتِ دائما مستعجلة في الحكم على الناس. أنتِ لا تصبري. أنتِ قذيفة مشاعر سرعان ما تنفجر. أنتِ دوما تظنين ظن السوء بدون مبرر. أنتِ نار تحرق الأخضر واليابس. في عيد خطوبتنا الثاني باغتته وأنا أغالب دموعي: “لا داعي لأن نستمر. لا داعي أن نخدع أنفسنا ومن حولنا. فأصلاً لا توجد علاقة إذا لم يوجد تواصل فعلي بيننا واتصال عاطفي فيما بين روحينا. علاقتنا سالبة بانتفاء الموضوع”. هكذا يقال في علم المنطق. أردت أن أوصل له رسالتين: فسخ خطوبتنا وجهله في المنطق ليس كعلم فقط ولكن أيضا كمنطق في الحياة. “أنتَ - والآن حان دوري أن أستخدم أنتَ- أنتَ لا تستطيع الجمع بين الضدين. أن تجمع بين النور والظلام، النهار والليل. نحن ضدين. هذه المرة وضعتُ العصا في عجلة حديثه المشروخ وألقمتهُ حجرا جيريا. سأمتُ كيل الاتهامات المعلبة الجاهزة التي يستخدمها معي للقفز للأمام
نظرَ إليها شزرا. أربد وأزبد وأرعد. أصمّتْ سمعها فلم تميز ما قاله. أسدلتْ الغطاء الأسود على وجهها. غادرتْ المطعم الذي شهد احتفالهما الأول والأخير بخطوبتهما. صحيح أن أسرتها ستلومها وبالخصوص أبوها لأنه أختاره لها فهو عريس من أسرة غنية تتاجر في الذهب لكن حريتها هي الغِنى الذي تنشده فقط. رمقت باحتقار سيارته المرسديس البيضاء الواقفة باختيال أمام المطعم. مشت طويلا حتى وصلتْ البيت. ألقت بقلبها المنهك على الوسادة وقطعت حبل الأمل بسكين حادة لكي تفصُلُهُ عما تبقى من روحها
كتابة ورسم: نجاة الشافعي
٢٠ مايو ٢٠١٩م