إمبراطوريات
،تنبأت جدتي بنهاية إمبراطورياتكم
!يا حمقى
.كانت تكوي. المذياع مُشغَّل
.اِهتزت الأرض من تحت أقدامنا
Read More،تنبأت جدتي بنهاية إمبراطورياتكم
!يا حمقى
.كانت تكوي. المذياع مُشغَّل
.اِهتزت الأرض من تحت أقدامنا
Read MoreAn increasing number of Saudi universities implement English for specific purposes (ESP) programs for students who will specialize in different fields such as, medicine, science, engineering and business. Universities rarely conduct studies of the actual needs of students to design or develop the ESP courses. Administrators and/or senior professors usually design ESP courses according to what they feel the students need and do not take into consideration perspectives of students, teachers and other stakeholders like potential employers.
Read MoreReading Paulo Freire’s famous book, “Pedagogy of the oppressed” (in Arabic), at a young age made a big change in my understanding of literacy. I believe that literacy is empowering to all women, especially the oppressed women in the Arab world. To seek women’s empowerment and make my voice heard, I joined social media, specifically Facebook. In this paper I will first describe my life journey on Facebook and then reflect on my digital literacy practices using Facebook. The paper consists of six sections: research questions, conceptual framework, Facebook affordances, methodology, my technobiography and reflections on my Facebook practices.
Read MoreI glued my eyes until darkness,
not to see you, my beloved.
A phantom of a woman with crimson hands,
departing alone to deserted lands.
I can’t see all the destruction,
that ripped your beautiful face.
I can’t stand the cries of weeping mosques and churches.
I can’t hear the loud sighs of tormented children.
I can’t touch your broken heart.
I can’t feel your fading pulse.
I can’t weep anymore.
I’m frozen in the moment of departure.
You are mesmerised in my glued eyes.
I will dream of you every morning,
but with holes, a lot of holes in my heart.
Holes where the lost ones have once been.
My tears are still burning my soul.
Death in walking distance.
I know my footprints will be haunting me forever,
until I step on them once again.
I shall return with more olive trees in my hands,
bird seeds under my wing,
to revive all the slaughtered pigeons.
I shall behold my dreams, my beloved one.
I will drown our memories in the bottom of my heart.
Then wear a mask of silence,
cry for ages,
before the craws creep in silence
and steal them away.
I sing you love stories,
when you wake up, my sunshine,
when we are indulged in the river of passion,
all guilty and sinned,
seeking forbidden dreams.
Poem written by Najat Alshafie in honour of Heba Zagout.
*Art work by Heba Zagout, the 39-year-old Palestinian artist who was killed with her children by Israelis in an air strike in October 2023.
https://www.gqmiddleeast.com/culture/heba-zagout-artist-peace-in-gaza
ولدتُ بالشجن
رفيقي الشفيف
شجني جمرات متقدة
مراثي العشق
وموانئ الانتظار
بدأت أطير منذ كنت طفلة
بأجنحة وبدونها
ما زلت أطير
.أتشبث كالأمل بريشة حمامة
في مدينة جديدة تتدثر برائحة البحر
التقينا بين صفحات كراسة عتيقة
ضمتنا بحور الشرق والغرب
تصبّ أنهار الألوان في المحبرة
.مِدادُ الحلم طين لا ينفد
اللوحة سنرسمها
سرنا المختوم
طريقة صوفية
تطوف بين عينيها
تلبي باسمها
.في حرم المدينة الأزلية
كلما ضربت بفرشاتك
وقعت امرأة في شباك لوحاتك
وأنتَ تستلّ حزنهن من دموعهن
ترسم بهجتهن بالأحمر
.تتوحد بهن في النور
لم أفهم لغة الحب يوماً
أو تباريح الغرام
لأني طفلة
تضحك وتلعب
تسير وتتعب
.طفولتها لا تنضب
سرّ العاشق
تبوح به رعشة اللون
في القلب يتوهج
الرسم والرسام
الفنان والدّهان
هل نحن من نَرْسُم أم نُرْسَم؟
لوحة في حلّة فستان باذخ
تتنفس بالألوان
تبرز مسامها كالسهام
تفصح عن دقائق تفاصيلها
بياضاً مترعاً بالبهجة
إياك ثم إياك
.أن ترسم امرأة بالرصاص
المرأةُ سِفْرُ الوجود
والرجلُ امرأة أخرى
الألفة لاصق غير مرئي
المودة لا تشتعل ولا تخمد
.الحب لا تجده إلاّ عند الخابية
في نهاية كل طريق
نَصِلُ للبدايات الأولى
لا نعرف سوى طعم الكرز
وبلبلٌ يشدو في القلب
أثمَّ سيرٌ ومَسِير؟
وردة بأي اسم آخر”
“.ستكون رائحتها جميلة
كتابة ورسم
نجاة الشافعي
٢٥ نوفمبر ٢٠٢٣ م
الاقتباس من مسرحية روميو وجولييت لشكسبير
حور الممشى
السير يصنع الطريق
اليوم كان مختلفاً جداً. أثناء سيرنا ناجتنا الغيمات الكالحة السواد فأنصتنا لها. أخبرتنا عن الشجن الأزلي في العالم، الصغار الذين تسرق أحلامهم فيكبرون أيتام الأمهات والأمل، الشيوخ الذين يهرمون بدون أبناء، المنفيون عن الأوطان، المحرمون من الفرح، البيوت التي بدون سقوف، الأسوار العالية، وتفجرت الغيمات أسىً فسالت مدامعها. واصلنا سيرنا في الممشى، تحت المطر. عندما وصلنا إلى ٥٠٠ متر خاطبته بصوت ماطر:
- أشعر إني غريقة.
- المطر ذكركِ بالغرق؟ ليس غزيراً!
- منذ قرأت تغريبة القافر، شعرت بأني الغريقة نفسها، أضع رأسي في الماء لينطفئ الوجع ولا ينطفئ . حاولت بكافة الوسائل ولم تنجع، أصابني اليأس فرأسي دائماً ثقيلة كالجبل.
- لم أقرأها الرواية بعد. دورها قادم، لكن الوجع جزء من الحياة ربما يدفعنا لأن نكون حالمين نأمل في يوم جميل مثل هذا اليوم الماطر.
- بالمناسبة، هل أنتَ من أنصار الرواية أو القصة؟
- أحب القصص قصيرة أم طويلة. القصة القصيرة زاوية في شارع طويل، والرواية هي شارع طويل ببشره وبناياته وتفرعاته، بكافة تفاصيله الدقيقة..
- إذاً الممشى رواية.
- روايتنا نحن، نحن نكتب فصولها.
- كل شيء يمضي.. كل شيء يبقى..
ولكن قدرنا أن نمضي..
نشق طُرُقا،
طُرُقاً فوق الماء..
أيها السائر،
الطريق آثار خطواتك،
ولا شيء بعد..
أيها السائر ليس ثمة طريق..
السير يصنع الطريق..
- مؤثرة، من قالها؟
- الشاعر الأسباني ماتشادو الذي يشبه السياب في رقته وتوجعه وغربته.
- ومن لا يعرف السياب!
هل تأملت فيما يعني ماتشادو؟
- مؤثر! السير يصنع الطريق.
- الطريق ليس موجوداً قبل أن نسير أو بعد أن نسير.
-أعجبني ما قاله "طُرقاً فوق الماء"
- سيرًا تشّق الطرق..
وحين تنظر للوراء..
يتراءى الطريق..
الذي لن تعود لتسيره مطلقًا..
أيها السائر
ليس ثمة طريق..
بل علامات على سطح الماء..
بل علامات على سطح الماء..
بل علامات على سطح الماء..
- أتدري الطريق لن يكون موجوداً بعد أن نسير.
أتدري، لا أحب زوال الشمس!
- لكننا في العصر ستغرب الشمس لتظهر من جديد في اليوم التالي.
- أكره زوالها في منتصف النهار حين تختفي الظلال وكأنه لا يوجد عالم سوى صمت مطبق. لا ظلال أي لا حياة.
أجهشتُ بالبكاء فمد لي منديله المفعم برائحة الليمون. حاول أن يلطف الجو الذي تعكر:
- على فكرة، يعجبني عزيزتي ما تنسجيه من قصص.
- كيف تحبها وأنت تفكك أوصالها، وتقوضّ كل ما أبنيه إلى أشلاء.
- أدلك على طريق الخلاص. النقد لغةٌ لا يفهما الكل، لغة بها الكثير من الحب لهدم المألوف، وبناء الأجمل.
- إذاً، كان النقد فخاً سقطتُ فيه بملء إرادتي.
- إنما بوتقة ينصهر فيها الفحم ليخرج الماس.
أطرق ثم رفع رأسه:
- سؤال إن سمحتي. هل دعوتِ غيري للممشى؟
- لِمَ تسأل؟ الحقيقة ثقيلة. هل ستجيب إن سألتكَ نفس السؤال؟!
- نعم و لا. نحن مثل النصوص بعضها جلي كعين الشمس وبعضها مرمز ونصوص أخرى تتقاطع مع الأولى والثانية لكن نسعى لأن نقرأ الآخرين.
أيها أنت؟
أنا نص مفتوح على مصراعيه
لذت بالصمت أتحدث مع نفسي: يا ترى أي بحور جابها وأي شواطئ رست سفينته على أعتابها، كم حقائب سافر بها، وكم أحذية سارت معه وكم قميص نزعها عن جسده، كم كتب أهملها حتى كساها الغبار؟
قطع أفكاري :
- أرجو المعذرة.. أسأل لأعرف متى.. وأين.. وكيف أسير. ومتى أصل. إن شئتِ ألا تجيبي.
- سؤال واحد فقط في كل مرة. الآخرون ليسوا مثلك سقطوا في الامتحان.
- امتحان؟
- قراءة الشعر. من يتريض معي فليحسن قراءة الشعر قلباً وقالبًا.
ضربة بعد ضربة،
بيت شعر بعد بيت..
عندما لم يعد العصفور قادرًا على التغريد..
عندما أصبح الشاعر حاجًا..
عندما لم تعد تجدي صلواتنا..
أيها السائر ليس ثمة طريق..
السير يصنع الطريق..
ضربة بعد ضربة،
بيت شعر بعد بيت…
- هذا ماتشادو؟
- هو وأنا الطريق.
نص ورسم
نجاة الشافعي
اكتوبر ٢٠٢٣م
حوار في الممشى
زوجة أعلنت براءتها من زوج عقيم
لاكت سمعتي الألسن. صَبَّوا جَامَ غَضَبِهِم عَلَيْ، من يعرفني ومن لا يعرفني. هجرنني حتى الصديقات، وعشت وِحدَة مطبقة فتكت شيئاً فشيئاً بأعصابي؛ لذلك أدمنتُ الحبوب المهدئة وتحسين المزاج. وبعد أن مهدوا الطريق، وصبوا فيه الاسفلت صار هناك ممشى للحيّ. صار المشي رفيقي الدائم، سلوتي وعزائي. وعاد قلبي ليحيا بما أسقيه فيه من أمل، وفي الممشى قدمت دعوة مفتوحة لرجل آخر ليقطع الطريق معي بعد أن هدأت عواصف الداخل والخارج.
جلسنا نلتقط أنفاسنا بعد أن ذرعنا الممشى ذهاباً وإياباً خمس مرات. كانت لقاءاتنا كلّها عن طريق الصدفة المتعمدة. أشاهده من شرفتي يذرع الممشى فأسارع بالنزول. عندما نلتقي كلانا يصطنع الدهشة. أول مرة أنا دعوته للمشي ثم صار يجيء بمحض إرادته، ومع مرور الأيام أدمنّا المسير في طريق طوله كيلومتر واحد مرصع بشجيرات الورد والنخيل.
في أول سيرنا أصاب شفتيّ الخدر. في داخلي أنثى جريحة يصعب عليها البوح. بدأ هو الحديث بعد مسير صامت. قال متوجساً:
ـ اًقول لج شي..
- أرجوك! وقع العامية على أذني نشاز.
- حسناً! عزيزتي. أصارحكِ بأمر ما؟
- تفضل.
حسبته سيخبرني بما سمعه عني من أقاويل لكنه قال:
- أنتِ أول امرأة تدعوني إلى الممشى بدل المقهى!
- أتحب المقاهي؟
- أرتادها مع أصدقائي.
- بالنسبة لي الممشى ملتقى والمقهى مفترق، والمسافة بينهما قد تطول أو تقصر.
- متى بدأتي المشي؟
- منذ زمن بعيد. الأحياء فقط يمشون!
- متى تمشين؟ كل يوم؟
-حسب مزاجي.
-أليس من ثوابت؟
- لا! يعتمد!
- أنت غريبة.
- أنا مزاجية.
- في أول جملة تبادرين: مزاجي سيء، أو مزاجي رائق، أو شبه متعكر، أو حزين، أو لم أنم كنت أفكر في مشاكل العالم. تصرّحين بحالتك النفسية مثل قارئ نشرة الطقس.
- لأنك لا تقرأ ما بين السطور.
شعرتُ بأنه تضايق ولاذ بالصمت. مشينا بتؤدة، وبدا ظلينا طويلين كقامات النخيل. انتشلتهُ من حالة التوجس:
- أصارحكَ بأمرٍ ما؟
- ماذا؟
- أشعر بأن الكلام معكَ يختلف عندما نمشي عما لو كنا جالسين.
- كيف؟!
- ألا تشعر عندما نمشى بأن التراب يبتهج لوقع خطانا، أن كل نخلة تنتظر أن نمر بها لتصافحنا، أن السماء تنصتُ إلى حكاياتنا، مسيرنا مثل لحن شجي تتناغم فيه حركة اللسان بالقدم بالقلب بالكون.
- كأنكِ تبالغين!!
- بلّ أبسّط. أليست الأرض دائرية؟
- ويعني؟
-إذا مشينا من نقطة نعود إليها، وإذا افترقنا سنلتقي. أليس العالم صغير؟
- نكتشف أن العالم صغير جداً حين نعبر جزءً منه.
- والعكس صحيح.
- لا تكوني متشائمة، الفراق لن يحصل! أنت محور دائرتي.
- هل تعني كل ما تقول، وتقول كل ما تعني؟
- بالتأكيد! وأنتِ؟
- أنا.. أنا أقول ما لا أعني، وأعني ما لا أقول.
- هذا طلسم.
- أليست الحياة طلاسم؟!
- غموض أحياناً، وليست طلاسم. أنا واضحٌ كالشمس، أما أنتِ فغامضة كوجه القمر الخفي.
- بل يقال إن الرجال من المريخ والنساء من الزهرة، وأننا نفصح عن مشاعرنا بينما أنتم تخفونها. أتدري أيها المريخي نسيتُ أن أسألك ما هو لونك المفضل، أو متى عيد ميلادك أو كتابك المفضل، ووو..؟
- أيتها الزهرة. أنتِ لوني المفضل، ولادتي عندما عرفتكِ، وأنتِ كتابي، وأنتِ صديقتي و..
- إذاً أنتَ من انتظرته طويلاً، فليس لي رفاق.
غالبتُ دمعةً مدويةً كادت تسقط فيسمعها. ارتجفتْ يدي:
- لا أدري لم أشعر بالبرد رغم أن في داخلي كتلة من اللهب.
قدم لي معطفه فغصت في رائحته.. مخدّرة مثل زهر الليمون. رائحة تشبه رائحة أبي.
في المذياع تصاعد صوت ناعم للمذيعة:
- الخطوط مفتوحة! ستُغلق بعد قليل.
- أسمعتِ ما تقول؟
- تقول الخطوط مفتوحة.
- أي خطوط؟ الحمراء؟
- الهاتف طبعاً.
كتابة ورسم نجاة الشافعي
زوجة أعلنت براءتها من زوج عقيم! لاكت سمعتي الألسن. صَبَّوا جَامَ غَضَبِهِم عَلَيْ، من يعرفني ومن لا يعرفني. هجرنني حتى الصديقات، وعشت وِحدَة مطبقة فتكت شيئاً فشيئاً بأعصابي؛ لذلك أدمنتُ الحبوب المهدئة وتحسين المزاج. وبعد أن مهدوا الطريق، وصبوا فيه الاسفلت صار هناك ممشى للحيّ. صار المشي رفيقي الدائم، سلوتي وعزائي. وعاد قلبي ليحيا بما أسقيه فيه من أمل، وفي الممشى قدمت دعوة مفتوحة لرجل آخر ليقطع الطريق معي بعد أن هدأت عواصف الداخل والخارج.
جلسنا نلتقط أنفاسنا بعد أن ذرعنا الممشى ذهاباً وإياباً خمس مرات. كانت لقاءاتنا كلّها عن طريق الصدفة المتعمدة. أشاهده من شرفتي يذرع الممشى فأسارع بالنزول. عندما نلتقي كلانا يصطنع الدهشة. أول مرة أنا دعوته للمشي ثم صار يجيء بمحض إرادته، ومع مرور الأيام أدمنّا المسير في طريق طوله كيلومتر واحد مرصع بشجيرات الورد والنخيل.
في أول سيرنا أصاب شفتيّ الخدر. في داخلي أنثى جريحة يصعب عليها البوح. بدأ هو الحديث بعد مسير صامت. قال متوجساً:
ـ اًقول لج شي..
- أرجوك! وقع العامية على أذني نشاز.
- حسناً! عزيزتي. أصارحكِ بأمر ما؟
- تفضل.
حسبته سيخبرني بما سمعه عني من أقاويل لكنه قال:
- أنتِ أول امرأة تدعوني إلى الممشى بدل المقهى!
- أتحب المقاهي؟
- أرتادها مع أصدقائي.
- بالنسبة لي الممشى ملتقى والمقهى مفترق، والمسافة بينهما قد تطول أو تقصر.
- متى بدأتي المشي؟
- منذ زمن بعيد. الأحياء فقط يمشون!
- متى تمشين؟ كل يوم؟
-حسب مزاجي.
-أليس من ثوابت؟
- لا! يعتمد!
- أنت غريبة.
- أنا مزاجية.
- في أول جملة تبادرين: مزاجي سيء، أو مزاجي رائق، أو شبه متعكر، أو حزين، أو لم أنم كنت أفكر في مشاكل العالم. تصرّحين بحالتك النفسية مثل قارئ نشرة الطقس.
- لأنك لا تقرأ ما بين السطور.
شعرتُ بأنه تضايق ولاذ بالصمت. مشينا بتؤدة، وبدا ظلينا طويلين كقامات النخيل. انتشلتهُ من حالة التوجس:
- أصارحكَ بأمرٍ ما؟
- ماذا؟
- أشعر بأن الكلام معكَ يختلف عندما نمشي عما لو كنا جالسين.
- كيف؟!
- ألا تشعر عندما نمشى بأن التراب يبتهج لوقع خطانا، أن كل نخلة تنتظر أن نمر بها لتصافحنا، أن السماء تنصتُ إلى حكاياتنا، مسيرنا مثل لحن شجي تتناغم فيه حركة اللسان بالقدم بالقلب بالكون.
- كأنكِ تبالغين!!
- بلّ أبسّط. أليست الأرض دائرية؟
- ويعني؟
-إذا مشينا من نقطة نعود إليها، وإذا افترقنا سنلتقي. أليس العالم صغير؟
- نكتشف أن العالم صغير جداً حين نعبر جزءً منه.
- والعكس صحيح.
- لا تكوني متشائمة، الفراق لن يحصل! أنت محور دائرتي.
- هل تعني كل ما تقول، وتقول كل ما تعني؟
- بالتأكيد! وأنتِ؟
- أنا.. أنا أقول ما لا أعني، وأعني ما لا أقول.
- هذا طلسم.
- أليست الحياة طلاسم؟!
- غموض أحياناً، وليست طلاسم. أنا واضحٌ كالشمس، أما أنتِ فغامضة كوجه القمر الخفي.
- بل يقال إن الرجال من المريخ والنساء من الزهرة، وأننا نفصح عن مشاعرنا بينما أنتم تخفونها. أتدري أيها المريخي نسيتُ أن أسألك ما هو لونك المفضل، أو متى عيد ميلادك أو كتابك المفضل، ووو..؟
- أيتها الزهرة. أنتِ لوني المفضل، ولادتي عندما عرفتكِ، وأنتِ كتابي، وأنتِ صديقتي و..
- إذاً أنتَ من أنتظره طويلاً، فليس لي رفاق.
غالبتُ دمعةً مدويةً كادت تسقط فيسمعها. ارتجفتْ يدي:
- لا أدري لم أشعر بالبرد رغم أن في داخلي كتلة من اللهب.
قدم لي معطفه فغصت في رائحته.. مخدّرة مثل زهر الليمون.
في المذياع تصاعد صوت ناعم للمذيعة:
- الخطوط مفتوحة! ستُغلق بعد قليل.
- أسمعتِ ما تقول؟
- تقول الخطوط مفتوحة.
- أي خطوط؟ الحمراء؟
- الهاتف طبعاً.
اعتدتُ على سماع صوته يتكلّم ويجادل، يهمس ويصرخ، يضحك ويبكي عندما تنبعث أحلامه من رأسه في ساعات الصباح الأولى.
أوقظه في الثامنة. أحمّمه ثمّ ألبسه ملابسَ نظيفة بدل المتّسخة. أعدّ له الفطور. أطعِمهُ بيضة مهروسة، وموزة مستوية، وأشرّبه كوباً من الحليب الدافئ. أقعِده على كرسيّ متحرّك. نجلس معاً في حديقة المنزل. يتأمّل ما حوله، ويعدّ على أصابعه: الحَمامات، النملات، النحلات، الغيمات، وهو يستمتع. يغفو برهة ثمّ يستيقظ. يتفحّص ملامح وجهي بشرود. يناديني باِسم أمّي المتوفاة، قد أكون هي في ذاكرته النائمة.
عيناه تتحدّثان معي أكثر من شفتيه. أفهم إذا كان مبتهجاً أم مكتئباً، مطمئناً أم خائفاً، مرتاحاً أم قلقاً، وإن كان بحاجة للطعام أو الحمّام. أقرأ له في الحديقة كتبي المفضّلة، ينصت باهتمام وفجأة يستلّ الضحكات عندما يحطّ عصفور بالقرب منّا أو قطّة تتسلّق الجدار فأبادله التبسّم والضحك. يتمتم أحياناً بكلمات لا أفهمها وأهزّ رأسي باهتمام. حين تصحو ذاكرته يسألني عن إخوتي وأخواتي فاكذب عليه. أخبره بأنّهم جاؤوا لزيارته عندما كان نائماً فيبتسم سعيداً، ويقبِض على يدي بحنان فأحتضنه، وأقبّل رأسه. حياتنا اليوميّة رتيبة في جميع تفاصيلها الصغيرة والكبيرة؛ لكنّها شاقّة لأنّ العناية بطفل بحجمه يحتاج قلباً كبيراً.
أجلسنِي على كرسيّ المتحرّك. يقرأ لي كتبي المفضّلة في الحديقة، ويقبِض على يدي بحنان. أناديه باِسم أبي وأنا أتحدّث معه. يهزّ برأسه ويبتسم.
كتابة ورسم: نجاة الشافعي
ملحوظة: تصميم الموقع لا يتيح وضع علامات الترقيم بشكل صحيح
I am half half
black & white.
sometimes I say
my mother is a black knight flying a kite
my father is a white kite flying at night
sometimes I say
my mother is a white kite flying at night
my father is black as a knight flying a kite
I am a mixed race,
so, it does NOT matter who is a black & who is white!
which side of the moon is dark & which side is bright!
I am the 2 sides in a shiny night full of stars.
I keep the secrets hidden in my eyes
throne under my colored skin that never dies
pebbles obstructing my throat
signs on my face, hands & feet
hangers of my coat in the street
ME ME ME is my beat
black & white!
Writing and drawing: Najat Alshafie
الفأر قذر لكن ذكي .. الفأر قارض سريع الحركة.. الفأر سريع الهرب..
سماه أحدهم "الفأر" فتطايّر اسمه بين الناس، وذاع صيته: الفأر راح.. الفأر جاء.. الفأر قادم.. الفأر والفأر والفأر.. وهو يهز ذيله، وينفخ صدره، ويقفز فوقاً وتحتاً، يميناً وشمالاً، تارة يختبأ، وتارة يظهر، وتارة ينهب الجبن، ويستمتع بمضغه، وتارة لا يَمَسّه، الفأر يراوغ..
الفأر لا يأكل بطريقة الفئران. الفأر شره. يحب البصل والثوم واللحوم، وزيت الزيتون ويعصر الكثير من الليمون، ويقضم قرون الفلفل الحار فيطفئ اللهب بالماء البارد جداً.
الفأر يدخن ويدخن ويدخن بشراهة.. ويلقي بأعقاب السجائر.. في المخادع.. تحت الأسرة.. فوق المخدات.. بين الشراشف.. على مساند المقاعد..
عندما يعود تَفرُك الفأرة عيناها، تقوم من نومها لتسخّن له العشاء، يغضب منها:
- أنا الفأر!! حتى وإن أتيت متأخراً لا تنامي!
وعندما تضع مساحيق التجميل
- يا فأرة! لمن وضعتيها! لم أكن موجوداً! امسحيها!
وحين لا تضع المساحيق:
- يا فأرة! سُحنتك كالحة! ضعيها! أنا الفأر! أنا موجود!
الفأر ينام بطريقة خاصة، يستلقي على ظهره، ويضع رجلاً على رجل، ويتفرج على (التيك توك) حتى الفجر ويصل شخيره حتى الغابة البعيدة..
ذات يوم سقط الأسد في الشبكة.
الفأر بطل.. الفأر منقذ!!
قرضَ شبكة الأسد لأن الفأر ماهر وأسنانه حادة لاسيما قواطعه وزئير الأسد أوجع رأسه؛ لكن الأسد ناكر الجميل عندما تحرر من الأسر جاع جوعاً شديداً فالتهمه بِدْءًا برأسه ولم يدع سوى ذيله.
تندر أهلّ الحي على الأسد واسموه فأراً، وفي البئر رأى له ذيلين يهشّ بهما الذباب، وتقلص حجمه حتى دخل في جحر ضَبّ.
نجاة الشافعي
٦ / ٦/ ٢٠٢٣ م
ملاحظه: أود التنويه إن الموقع لا يتوافق مع أدوات الترقيم العربية
كيف للموتِ الذي حلّ ضيفاً ثقيلاً في قرية مجهولة على الخريطة على شكلِ حوتٍ نافق ظهرَ على الشاطئ يوما ما أن يخلق الحياة، وأن يُطلقَ أسرابَ الأمل في سمائها، وهذا ما استهلت به الرواية عندما صورت بطريقة ساخرة "الطيور القادمة من الشمس[1]" التي تقذف فضلاتها على رؤوس البشر؟ وكيف صَنَعَ الموتُ أهميةً لقرية صغيرة لم يسمع بها أحد فَبَرَزَ وجودها للآخرين؟ وكيف يكون للموت مفعولاً عجيباً فيُخرج ما هو مدفون في نفوس الناس من خير وشرور؟
هذا ما يكشفه لنا الساردُ، وهو الراوي العليم، في رواية "الحوت" حيث تصبح قرية ساحلية قرية الحجر محوراً لحدث غريب، وتصير معلماً سياحياً يقصده الناس من القرى المجاورة، وتصبح محط اهتمام العاصمة، فيأتيها المصورون والصحفيون، ووفدٌ عالي المستوى يرأسه بروفيسور أجنبي "الرجل ذو الأنف الأحمر[2]" ومساعديه الأجانب
الحوت الذي انتحر على الشاطئ أنعش الأمل في نفس الشاب جبران العاطل عن العمل بأن يصبح تاجراً ثرياً عندما يستخرج العنبر منه ليثبت لأمه إنه ليس بالعالة عليها، وليثبت لنفسه إنه رجل كأبيه الذي ابتلعه البحر في إحدى رحلاته التجارية، وكأن البحر الغادر الذي أغرق أباه وَهَبَه بالمقابل الحوت الميت ليغير حياته للأفضل. يرافق جبران في كفاحه فتى آخر اسمه راشد الذي ولد وفي فمه ملعقة من الذهب، ونشأ غيرَ صالحٍ للتعلم كأقرانه في الكِّتاب أو للعمل في دكان والده التاجر المتسلط "الجبرتي". راشد أراد أن يتمرد على أبيه ويتزوج الفتاة التي يهيم بها فذهب مع جبران لسرقة العنبر، ومن المفارقات إن الحوت الميت جددّ الأمل في نفس الجبرتي والد راشد الذي يريد أن يعالج ضعفه بأكله لحمه ليتزوج أم جبران وينجب ابناً يحقق أمله في الحياة، وليس كابنه الفاشل راشد
الحوتُ كان نافذة الأمل أيضاً "لحسن الداشر" السيء السيرة ليُبرِزَ سلطته في حمايته، والذود عنه بدمه لأنه من ممتلكات قريته وليس مباحاً أو مشاعاً لغيرها، وبالخصوص لقرية بني ملال المجاورة. لم يكن الحوت أملاً فقط للأفراد، بل للقرية المجهولة كاملة لكي تدخل التاريخ وتُعرَف بين البلدان، القرية التي نفقَ فيها الحوت ليستدلّ الجميع إنها وأهلها موجودون على وجه الخريطة
قراءتي لرواية "الحوت" ستتضمن التركيز على أسلوب السخرية في النص الروائي لسبر مكنوناته، حيث وَظَّفَه الروائي كأداةٍ لرسم الشخصيات، وتطور الأحداث، وإبراز مكامن الصراع، وايصال المعنى للقارئ. الرواية مشحونةٌ بجرعات مُفرِطة من السخرية تتضح في الحبكة الدرامية، وأسماء وصفات الشخصيات، والحوار فيما بينها. فعلى مستوى الحبكة الدرامية فإنه لمن سخرية القدر أن يستلقي حوتاً منتحراً على شاطئ قرية صغيرة ليذيع صيتُ هذه القرية وليؤجج رغبات وطموحات أهلها، بعضهم بالثراء من بيع العنبر أو أن يتقوى أحدهم بأكل لحمه أو يشبعوا بطونهم، وفي آخر الرواية تبدد أحلام أهل القرية فالحوت هو الحوتُ الأزرق وليس حوت العنبر كما يخبرهم البروفيسور الأجنبي، ويضحك مع فريقه عليهم مستهزئين من سذاجتهم وجهلهم
وعلى مستوى انتقاء أسماء الشخصيات الرئيسية والفرعية فيطلق الروائي أسماءً ساخرة على بعضهم ليدُّل على سماتهم الشخصية أو يبرز تناقضا معيناً أو يشير لحالة ما. فمثلاً، "حسن الداشر" الذي اسمهُ "حسن" وخلقه سيء و"داشر" في العامية تعني الشخص السيء، ويَصِفُ السارد الداشر السيء ودفاعه المستميت عن الحوت مقابل اعتداء أهل القرية المجاورة بشكل هزلي ساخر: "رجلٌ يعلق على عنقِه قطعة من الجلد المُسدَل على صدره وبطنه حتى تصل الى ركبتيه ويمسك في يده سكينا طويلة." [3]
وهناك شخصية "الملا بركات" خبير بالعلاج بالعطور والأعشاب لكن لا تسري بركة علاجاته للجبرتي، ولم ينفعه ما يعطيه من أعشاب مقوية، ويسخر غاضباً راشد ابن الجبرتي من شوارب الملا بركات وهي من علامات الرجولة في المجتمع الشرقي عندما حاول والده اجباره على الزواج من ابنته فيتندر مستهجناً: "ماذا؟! نظر إليهم وعيناه تكادان تخرجان: "ابنة الكلب ذي الشوارب القذرة؟![4]" ويصف السارد حال راشد: "يلعنُ والده ويلعن الملا بركات وشواربه النتنة ويلعن ابنته... كان يقول لنفسه: "ويبقى ذلك الشارب القذر عمي طوال العمر؟!" [5] ومن الجدير بالذكر إن وصف راشد الساخر لشوارب الملا بركات يتسق مع وصف السارد لها كصفة مميزة فيه بطريقة هزلية عندما تحدث عنه وهو داخل لدكان الجبرتي: "فإذا بالملا بركات ينتصب أمامه بهيكله الضخم وشواربه الكثة تتراقص مع تحيته".. "حرك الملا شفتيه الغليظتين تحت شاربه وهو يمسح عليه مستشعراً ما قاله الجبرتي".. همهم الملا بركات وشاربه يتراقص على شفتيه وأعاد حديثه عن تزويج راشد." [6]
أما "راشد" فهو لم يبلغ الرشد أو النضج لأنه لم ينفع نفسه بالتعلم في الكِّتاب أو أباه بتحمل مسؤولية العمل معه في الدكان، ويريد أن يتزوج بفتاة فقيرة جميلة لا تناسب مستواه الطبقي، ويلوم والده نفسه على تسميته راشد فيقول: "ولأزيد خيبتي أسميته راشد! من أين سيأتيه الرشاد وهو لا يملك عقل بعوضة[7]؟!" ويسهب السارد في وصف خيبة أمل الجبرتي في ابنه حين يصفه بين الأصغر منه من أقرانه في الكِّتَاب لحفظ القرآن: "ظل يدب كدودة حتي بلغ الخامسة عشرة.. كان يجلس بين الصبية الصغار بقامته الطويلة كعود من قصب بين شجيرات طماطم أو فجل أو حتى بطاطا لا تظهر ثمارها على الأرض.[8]" ويصف أبوه أسنانه بسبب التدخين هازئاً وهو يتحدث مع الملا بركات عنه: "أسنانه صفراء كحبوب الذرة"، ويسخر منه لأنه لا يجيد التجارة في موقف يعكس الألم والحزن في نفس الوقت حين احتفلوا في القرية بِمَنْ أنهوا حفظهم للقرآن: "كانت أفواج الحافظين تطوف القرية في موكب مثير يهزج بالأناشيد وهو يستقبل الساخرين أو المتلمقين.. لن ينسى ذلك اليوم السيء. ظل فيه لأسبوع يداري خيبته أمام الناس مدعياً أن ابنه خُلق للتجارة كما خلق هو لها"[9].
ويوضح السارد خيبة أمل الجبرتي في زوجته: "التي لم تتوقف بعدها عن وضع البنات الواحدة تلو الأخرى حتى امتلأ بيته بمستلزمات النساء." واطلقت زوجته اسم "يمنى" على آخر البنات الذي يوحي بالخير لكنه على العكس من ذلك محبطاً لا يشعر بالسعادة لأنه يرغب أن تنجب له ولداً آخرا
وبالإضافة إلى هذا تحفل الرواية بالكثير من الأوصاف الساخرة للشخصيات والمواقف التي تجمع بينها والحوارات الساخرة، وشدّ انتباهي سخريته من رموز السلطة وفرض النظام، وبالخصوص المأمور والعريف عوض وابنه والمتعالون على أهل القرية كالمصّور الأجنبي والقادمون من العاصمة وطريقة لبسهم الغريبة، والبروفيسور الأجنبي وطريقة حديثه ومعاملته للمأمور، فمثلاً، يصف مشي المصور الاجنبي حين تسلخ جلده بطريقة هزلية: "كان يمشي بين الناس كمن تغوط على نفسه
وقسم آخر من الشخصيات المحورية مثل الجبرتي وجبران، سماها الروائي ساخراً لتعكس سمات بارزة مثلاً: "الجبرتي" الأب والزوج المتسلط المتكبر الذي يجبر ابنه على ما يريده له من تعليم ومهنة وزوجة، ويجبر زوجته وبناته على طاعته المطلقة، ويجبر صَبِّيه "نوفل" أن يسرق له من لحم الحوت، ويجبر الناس على الدفع له، وجبران الذي يدل اسمه على الإصلاح أو التعويض وهو يحاول أن يُصلِح حاله بسرقة العنبر من الحوت رغم عدم شرعية ذلك فينتهز الفرصة ويتسلل تحت جنح الظلام
ومن الملاحظ إن عدم تسمية الداموك لبعض الشخصيات له دلالة أيضا، إما لأنها شخصيات فرعية جداً وذكرت لمرة واحدة مثل رئيس الميناء وشيخ الكّتاب والمصور الأجنبي أو لأن الشخصية تمثل رمزاً وليس فرداً، فالمأمور من منظور الراوي رمز للسلطة السياسية، وكذلك لم يسمي الراوي من ليس لهم سلطة من منظور ذكوري مثل زوجة الجبرتي وبناته ما عدا ابنته الصغيرة التي سمتها أمها يمنى؛ فلم يكن لهن أسماء لأنهن كنساء مهمشات في مجتمع القرية، وعليهن تلبية أوامر الجبرتي فعندما عزم على تزويج ابنه اعترضت الأم قليلاً ثم أقرت بما أمر به زوجها، وحتى أم جبران الذي يطمح أن يتزوجها نُسِبَ اسمها لولدها؛ أما "سكينة" ابنة الفقير "فرج الله" التي طمح راشد في الزواج منها فبالعكس تسمى سكينة لتدل على سكون واستقرار نفسه بحبها ولتظهر وجهة نظر السارد التي مَثَّلَها راشد قائلا: "الفقر ليس عيباً
السخرية التي وظفها الداموك أبرزت التناقضات والصراعات في الرواية على مستويات متعددة، فهناك صراع داخلي في نفوس الشابين جبران وراشد كي يحققا أهدافهما و يثبتا ذواتهما أمام أنفسهما والآخرين، وصراع الجبرتي لإثبات قدرته على انجاب الابن الذي يحمل اسمه ويعينه في تجارته ويُشَّرِفه أمام الناس، وعلى مستوى آخر الصراع الخارجي مع الحوت النافق الذي يمثل الصراع مع الطبيعة لاستخراج والاستفادة من العنبر. أما الصراع الخارجي مع الآخرين فيتعدد المحاور، فأوله صراع خارجي طبقي بين التاجر والفقير الذي يود ابن التاجر الزواج من ابنته فيوبخ الجبرتي ابنه راشد :"ألم تجد رجلاً ترتبط به سوى هذا المعدم! ويجيبه ابنه "الفقر ليس عيبا"[10] وصراع مع السلطة بشكلها الأبوي والأمومي، وأهم أشكال الصراع الذي تم التركيز عليه في الرواية هو الصراع بشكله السياسي ممثلاً في المأمور الذي أبرزه السارد بشخصية هزلية ضعيفة وخائفة ومحاولته فرض سلطته على مجتمع القرية بسلاحه القديم المهترئ، وما يمثله من رمزية ليحمي الحوت الذي هو ليس ملكاً للقرية بل للدولة فيُرسِل برقية وينتظر الأوامر التي سوف تصله، حتى وإن فَسِدَ لحم الحوت. ويتبلور أيضا صراع مع الأجنبي ممثلا بالبروفيسور، وصراع بين المركز القوي وهو العاصمة من جانب والأطراف المهمشة الممثلة بالقرية البسيطة من جانب آخر، وصراع القرية نفسها مع قرية مجاورة منافسة لها وهذا ينعكس في شخصية الداشر والذي يمثل شخصية غير محترمة في مجتمعه وخارج عن قيمه لكنه يدافع في نفس الوقت عما يراه حقاً لقريته بقوة ذراعه لأن الحوت وُجِدَ على أرضها. ويلعب كُلّا من نوعي الصراع الداخلي والخارجي دوراً مهماً ينضج رؤيتنا للشخصيات، ويدفع بالحبكة القصصية إلى ذروة الحدث وثم الحل
وفي الخاتمة تبرز محورية الرغبات الفردية التي تراكمت جمعيّاً، واندكت في حالة مجتمعية تم تفريغها بشكل معلن وقاسٍ على رموز السلطة الممثلة بالأب والملا والمأمور والعريف والبروفيسور الأجنبي فكانت حالة تمرد شاملة على ما في داخل الذات الإنسانية من خوف وطاعة وانصياع للسلطة، ويصف السارد هذه الحالة: "كان الوضع متفجراً وسريعاً يلامس رغباتٍ مكنونة، كلهم شاركوا في نهش الحوت. وقبل نهاية النهار، كان الحوتُ هيكلاً عظميّاً ملقىً على الشاطئ."[11]
طرحت فيما سبق لمحات من توظيف للسخرية على مستوى الشكل والمضمون كأداة فعَّالة لرسم الشخصيات، وتطور الأحداث، وإبراز مكامن الصراع، وبالتالي ايصال المعنى للقارئ، وتحتاج الرواية لعدة قراءات، ومساحة أوسع للتطرق لما جاء فيها من أسلوب ساخر باستفاضة
كتابة: نجاة الشافعي
بيت السرد/ جمعية الثقافة والفنون في الدمام
في ٢٢/٥/٢٠٢٣م
[1] . رواية الحوت، ص ٨.
[2] . رواية الحوت، ص ١٢٦.
[3] . رواية الحوت، ص ٧٨.
[4] . رواية الحوت، ص ٩٩.
[5] . رواية الحوت، ص ١٠٠.
[6] . رواية الحوت، ص ٤١، ٤٢ و٤٤.
[7] . رواية الحوت، ص ٤١
[8]. رواية الحوت، ص٣٩.
[9] . رواية الحوت، ص٣٩.
[10] . ص ٩٧ و٩٨.
[11] . رواية الحوت، ص ١٣٥.