An analysis of Students’ Needs in an ESP Course

An increasing number of Saudi universities implement English for specific purposes (ESP) programs for students who will specialize in different fields such as, medicine, science, engineering and business. Universities rarely conduct studies of the actual needs of students to design or develop the ESP courses. Administrators and/or senior professors usually design ESP courses according to what they feel the students need and do not take into consideration perspectives of students, teachers and other stakeholders like potential employers.

Read More

لوحة

ولدتُ بالشجن

رفيقي الشفيف

شجني جمرات متقدة

مراثي العشق

وموانئ الانتظار

بدأت أطير منذ كنت طفلة

بأجنحة وبدونها

ما زلت أطير

.أتشبث كالأمل بريشة حمامة

في مدينة جديدة تتدثر برائحة البحر

التقينا بين صفحات كراسة عتيقة

ضمتنا بحور الشرق والغرب

تصبّ أنهار الألوان في المحبرة

.مِدادُ الحلم طين لا ينفد

اللوحة سنرسمها

سرنا المختوم

طريقة صوفية

تطوف بين عينيها

تلبي باسمها

.في حرم المدينة الأزلية

 

كلما ضربت بفرشاتك

وقعت امرأة في شباك لوحاتك

وأنتَ تستلّ حزنهن من دموعهن

ترسم بهجتهن بالأحمر

.تتوحد بهن في النور

 

لم أفهم لغة الحب يوماً

أو تباريح الغرام

لأني طفلة

تضحك وتلعب

تسير وتتعب

.طفولتها لا تنضب

 

سرّ العاشق

تبوح به رعشة اللون

في القلب يتوهج

الرسم والرسام

الفنان والدّهان

هل نحن من نَرْسُم أم نُرْسَم؟

لوحة في حلّة فستان باذخ

تتنفس بالألوان

تبرز مسامها كالسهام

تفصح عن دقائق تفاصيلها

بياضاً مترعاً بالبهجة

إياك ثم إياك

.أن ترسم امرأة بالرصاص

 

المرأةُ سِفْرُ الوجود

والرجلُ امرأة أخرى

الألفة لاصق غير مرئي

المودة لا تشتعل ولا تخمد

.الحب لا تجده إلاّ عند الخابية

 

في نهاية كل طريق

نَصِلُ للبدايات الأولى

لا نعرف سوى طعم الكرز

وبلبلٌ يشدو في القلب

أثمَّ سيرٌ ومَسِير؟

وردة بأي اسم آخر”

“.ستكون رائحتها جميلة

كتابة ورسم

نجاة الشافعي

٢٥ نوفمبر ٢٠٢٣ م

الاقتباس من مسرحية روميو وجولييت لشكسبير 

 

 

السير يصنع الطريق

حور الممشى

السير يصنع الطريق

اليوم كان مختلفاً جداً. أثناء سيرنا ناجتنا الغيمات الكالحة السواد فأنصتنا لها. أخبرتنا عن الشجن الأزلي في العالم، الصغار الذين تسرق أحلامهم فيكبرون أيتام الأمهات والأمل، الشيوخ الذين يهرمون بدون أبناء، المنفيون عن الأوطان، المحرمون من الفرح، البيوت التي بدون سقوف، الأسوار العالية، وتفجرت الغيمات أسىً فسالت مدامعها. واصلنا سيرنا في الممشى، تحت المطر. عندما وصلنا إلى ٥٠٠ متر خاطبته بصوت ماطر:

- أشعر إني غريقة.

- المطر ذكركِ بالغرق؟ ليس غزيراً!

- منذ قرأت تغريبة القافر، شعرت بأني الغريقة نفسها، أضع رأسي في الماء لينطفئ الوجع ولا ينطفئ . حاولت بكافة الوسائل ولم تنجع، أصابني اليأس فرأسي دائماً ثقيلة كالجبل.

- لم أقرأها الرواية بعد. دورها قادم، لكن الوجع جزء من الحياة ربما يدفعنا لأن نكون حالمين نأمل في يوم جميل مثل هذا اليوم الماطر.

- بالمناسبة، هل أنتَ من أنصار الرواية أو القصة؟

- أحب القصص قصيرة أم طويلة. القصة القصيرة زاوية في شارع طويل، والرواية هي شارع طويل ببشره وبناياته وتفرعاته، بكافة تفاصيله الدقيقة..

- إذاً الممشى رواية.

- روايتنا نحن، نحن نكتب فصولها.

- كل شيء يمضي.. كل شيء يبقى..

ولكن قدرنا أن نمضي..

نشق طُرُقا،

طُرُقاً فوق الماء..

أيها السائر،

الطريق آثار خطواتك،

ولا شيء بعد..

أيها السائر ليس ثمة طريق..

السير يصنع الطريق..

- مؤثرة، من قالها؟

- الشاعر الأسباني ماتشادو الذي يشبه السياب في رقته وتوجعه وغربته.

- ومن لا يعرف السياب!

هل تأملت فيما يعني ماتشادو؟

- مؤثر! السير يصنع الطريق.

- الطريق ليس موجوداً قبل أن نسير أو بعد أن نسير.

-أعجبني ما قاله "طُرقاً فوق الماء"

- سيرًا تشّق الطرق..

وحين تنظر للوراء..

يتراءى الطريق..

الذي لن تعود لتسيره مطلقًا..

أيها السائر

ليس ثمة طريق..

بل علامات على سطح الماء..

بل علامات على سطح الماء..

بل علامات على سطح الماء..

- أتدري الطريق لن يكون موجوداً بعد أن نسير.

أتدري، لا أحب زوال الشمس!

- لكننا في العصر ستغرب الشمس لتظهر من جديد في اليوم التالي.

- أكره زوالها في منتصف النهار حين تختفي الظلال وكأنه لا يوجد عالم سوى صمت مطبق. لا ظلال أي لا حياة.

أجهشتُ بالبكاء فمد لي منديله المفعم برائحة الليمون. حاول أن يلطف الجو الذي تعكر:

- على فكرة، يعجبني عزيزتي ما تنسجيه من قصص.

- كيف تحبها وأنت تفكك أوصالها، وتقوضّ كل ما أبنيه إلى أشلاء.

- أدلك على طريق الخلاص. النقد لغةٌ لا يفهما الكل، لغة بها الكثير من الحب لهدم المألوف، وبناء الأجمل.

- إذاً، كان النقد فخاً سقطتُ فيه بملء إرادتي.

- إنما بوتقة ينصهر فيها الفحم ليخرج الماس.

أطرق ثم رفع رأسه:

- سؤال إن سمحتي. هل دعوتِ غيري للممشى؟

- لِمَ تسأل؟ الحقيقة ثقيلة. هل ستجيب إن سألتكَ نفس السؤال؟!

- نعم و لا. نحن مثل النصوص بعضها جلي كعين الشمس وبعضها مرمز ونصوص أخرى تتقاطع مع الأولى والثانية لكن نسعى لأن نقرأ الآخرين.

أيها أنت؟

أنا نص مفتوح على مصراعيه

لذت بالصمت أتحدث مع نفسي: يا ترى أي بحور جابها وأي شواطئ رست سفينته على أعتابها، كم حقائب سافر بها، وكم أحذية سارت معه وكم قميص نزعها عن جسده، كم كتب أهملها حتى كساها الغبار؟

قطع أفكاري :

- أرجو المعذرة.. أسأل لأعرف متى.. وأين.. وكيف أسير. ومتى أصل. إن شئتِ ألا تجيبي.

- سؤال واحد فقط في كل مرة. الآخرون ليسوا مثلك سقطوا في الامتحان.

- امتحان؟

- قراءة الشعر. من يتريض معي فليحسن قراءة الشعر قلباً وقالبًا.

ضربة بعد ضربة،

بيت شعر بعد بيت..

عندما لم يعد العصفور قادرًا على التغريد..

عندما أصبح الشاعر حاجًا..

عندما لم تعد تجدي صلواتنا..

أيها السائر ليس ثمة طريق..

السير يصنع الطريق..

ضربة بعد ضربة،

بيت شعر بعد بيت…

- هذا ماتشادو؟

- هو وأنا الطريق.

نص ورسم

نجاة الشافعي

اكتوبر ٢٠٢٣م

المقهى أم الممشى

حوار في الممشى

زوجة أعلنت براءتها من زوج عقيم

لاكت سمعتي الألسن. صَبَّوا جَامَ غَضَبِهِم عَلَيْ، من يعرفني ومن لا يعرفني. هجرنني حتى الصديقات، وعشت وِحدَة مطبقة فتكت شيئاً فشيئاً بأعصابي؛ لذلك أدمنتُ الحبوب المهدئة وتحسين المزاج. وبعد أن مهدوا الطريق، وصبوا فيه الاسفلت صار هناك ممشى للحيّ. صار المشي رفيقي الدائم، سلوتي وعزائي. وعاد قلبي ليحيا بما أسقيه فيه من أمل، وفي الممشى قدمت دعوة مفتوحة لرجل آخر ليقطع الطريق معي بعد أن هدأت عواصف الداخل والخارج.

 

جلسنا نلتقط أنفاسنا بعد أن ذرعنا الممشى ذهاباً وإياباً خمس مرات. كانت لقاءاتنا كلّها عن طريق الصدفة المتعمدة. أشاهده من شرفتي يذرع الممشى فأسارع بالنزول. عندما نلتقي كلانا يصطنع الدهشة. أول مرة أنا دعوته للمشي ثم صار يجيء بمحض إرادته، ومع مرور الأيام أدمنّا المسير في طريق طوله كيلومتر واحد مرصع بشجيرات الورد والنخيل.

 

في أول سيرنا أصاب شفتيّ الخدر. في داخلي أنثى جريحة يصعب عليها البوح. بدأ هو الحديث بعد مسير صامت. قال متوجساً:

 

ـ اًقول لج شي..

 

- أرجوك! وقع العامية على أذني نشاز.

 

- حسناً! عزيزتي. أصارحكِ بأمر ما؟

 

- تفضل.

 

حسبته سيخبرني بما سمعه عني من أقاويل لكنه قال:  

 

- أنتِ أول امرأة تدعوني إلى الممشى بدل المقهى!

 

- أتحب المقاهي؟

 

- أرتادها مع أصدقائي.

 

- بالنسبة لي الممشى ملتقى والمقهى مفترق، والمسافة بينهما قد تطول أو تقصر.

 

- متى بدأتي المشي؟

 

- منذ زمن بعيد. الأحياء فقط يمشون!

 

- متى تمشين؟ كل يوم؟

 

-حسب مزاجي.

 

-أليس من ثوابت؟

 

- لا! يعتمد!

 

- أنت غريبة.

 

- أنا مزاجية.

 

- في أول جملة تبادرين: مزاجي سيء، أو مزاجي رائق، أو شبه متعكر، أو حزين، أو لم أنم كنت أفكر في مشاكل العالم. تصرّحين بحالتك النفسية مثل قارئ نشرة الطقس.

 

- لأنك لا تقرأ ما بين السطور.

 

شعرتُ بأنه تضايق ولاذ بالصمت. مشينا بتؤدة، وبدا ظلينا طويلين كقامات النخيل. انتشلتهُ من حالة التوجس:

 

-  أصارحكَ بأمرٍ ما؟

 

-  ماذا؟

 

- أشعر بأن الكلام معكَ يختلف عندما نمشي عما لو كنا جالسين.

 

- كيف؟!

 

- ألا تشعر عندما نمشى بأن التراب يبتهج لوقع خطانا، أن كل نخلة تنتظر أن نمر بها لتصافحنا، أن السماء تنصتُ إلى حكاياتنا، مسيرنا مثل لحن شجي تتناغم فيه حركة اللسان بالقدم بالقلب بالكون.

 

- كأنكِ تبالغين!!

 

- بلّ أبسّط. أليست الأرض دائرية؟

 

- ويعني؟

 

-إذا مشينا من نقطة نعود إليها، وإذا افترقنا سنلتقي. أليس العالم صغير؟  

 

- نكتشف أن العالم صغير جداً حين نعبر جزءً منه.

 

- والعكس صحيح.

 

- لا تكوني متشائمة، الفراق لن يحصل! أنت محور دائرتي.

 

- هل تعني كل ما تقول، وتقول كل ما تعني؟

 

- بالتأكيد! وأنتِ؟

 

- أنا.. أنا أقول ما لا أعني، وأعني ما لا أقول.

 

- هذا طلسم.

 

- أليست الحياة طلاسم؟!

 

- غموض أحياناً، وليست طلاسم. أنا واضحٌ كالشمس، أما أنتِ فغامضة كوجه القمر الخفي.

 

- بل يقال إن الرجال من المريخ والنساء من الزهرة، وأننا نفصح عن مشاعرنا بينما أنتم تخفونها. أتدري أيها المريخي نسيتُ أن أسألك ما هو لونك المفضل، أو متى عيد ميلادك أو كتابك المفضل، ووو..؟

 

- أيتها الزهرة. أنتِ لوني المفضل، ولادتي عندما عرفتكِ، وأنتِ كتابي، وأنتِ صديقتي و..

 

- إذاً أنتَ من انتظرته طويلاً، فليس لي رفاق.

 

غالبتُ دمعةً مدويةً كادت تسقط فيسمعها. ارتجفتْ يدي:

 

- لا أدري لم أشعر بالبرد رغم أن في داخلي كتلة من اللهب.

 

قدم لي معطفه فغصت في رائحته.. مخدّرة مثل زهر الليمون. رائحة تشبه رائحة أبي.

 

في المذياع تصاعد صوت ناعم للمذيعة:

 

- الخطوط مفتوحة! ستُغلق بعد قليل.

 

- أسمعتِ ما تقول؟

 

- تقول الخطوط مفتوحة.

 

- أي خطوط؟ الحمراء؟

 

- الهاتف طبعاً.

كتابة ورسم نجاة الشافعي

المقهى أم الممشى

المقهى أم الممشى

 

زوجة أعلنت براءتها من زوج عقيم! لاكت سمعتي الألسن. صَبَّوا جَامَ غَضَبِهِم عَلَيْ، من يعرفني ومن لا يعرفني. هجرنني حتى الصديقات، وعشت وِحدَة مطبقة فتكت شيئاً فشيئاً بأعصابي؛ لذلك أدمنتُ الحبوب المهدئة وتحسين المزاج. وبعد أن مهدوا الطريق، وصبوا فيه الاسفلت صار هناك ممشى للحيّ. صار المشي رفيقي الدائم، سلوتي وعزائي. وعاد قلبي ليحيا بما أسقيه فيه من أمل، وفي الممشى قدمت دعوة مفتوحة لرجل آخر ليقطع الطريق معي بعد أن هدأت عواصف الداخل والخارج.

 

جلسنا نلتقط أنفاسنا بعد أن ذرعنا الممشى ذهاباً وإياباً خمس مرات. كانت لقاءاتنا كلّها عن طريق الصدفة المتعمدة. أشاهده من شرفتي يذرع الممشى فأسارع بالنزول. عندما نلتقي كلانا يصطنع الدهشة. أول مرة أنا دعوته للمشي ثم صار يجيء بمحض إرادته، ومع مرور الأيام أدمنّا المسير في طريق طوله كيلومتر واحد مرصع بشجيرات الورد والنخيل.

 

في أول سيرنا أصاب شفتيّ الخدر. في داخلي أنثى جريحة يصعب عليها البوح. بدأ هو الحديث بعد مسير صامت. قال متوجساً:

 

ـ اًقول لج شي..

 

- أرجوك! وقع العامية على أذني نشاز.

 

- حسناً! عزيزتي. أصارحكِ بأمر ما؟

 

- تفضل.

 

حسبته سيخبرني بما سمعه عني من أقاويل لكنه قال:  

 

- أنتِ أول امرأة تدعوني إلى الممشى بدل المقهى!

 

- أتحب المقاهي؟

 

- أرتادها مع أصدقائي.

 

- بالنسبة لي الممشى ملتقى والمقهى مفترق، والمسافة بينهما قد تطول أو تقصر.

 

- متى بدأتي المشي؟

 

- منذ زمن بعيد. الأحياء فقط يمشون!

 

- متى تمشين؟ كل يوم؟

 

-حسب مزاجي.

 

-أليس من ثوابت؟

 

- لا! يعتمد!

 

- أنت غريبة.

 

- أنا مزاجية.

 

- في أول جملة تبادرين: مزاجي سيء، أو مزاجي رائق، أو شبه متعكر، أو حزين، أو لم أنم كنت أفكر في مشاكل العالم. تصرّحين بحالتك النفسية مثل قارئ نشرة الطقس.

 

- لأنك لا تقرأ ما بين السطور.

 

شعرتُ بأنه تضايق ولاذ بالصمت. مشينا بتؤدة، وبدا ظلينا طويلين كقامات النخيل. انتشلتهُ من حالة التوجس:

 

-  أصارحكَ بأمرٍ ما؟

 

-  ماذا؟

 

- أشعر بأن الكلام معكَ يختلف عندما نمشي عما لو كنا جالسين.

 

- كيف؟!

 

- ألا تشعر عندما نمشى بأن التراب يبتهج لوقع خطانا، أن كل نخلة تنتظر أن نمر بها لتصافحنا، أن السماء تنصتُ إلى حكاياتنا، مسيرنا مثل لحن شجي تتناغم فيه حركة اللسان بالقدم بالقلب بالكون.

 

- كأنكِ تبالغين!!

 

- بلّ أبسّط. أليست الأرض دائرية؟

 

- ويعني؟

 

-إذا مشينا من نقطة نعود إليها، وإذا افترقنا سنلتقي. أليس العالم صغير؟  

 

- نكتشف أن العالم صغير جداً حين نعبر جزءً منه.

 

- والعكس صحيح.

 

- لا تكوني متشائمة، الفراق لن يحصل! أنت محور دائرتي.

 

- هل تعني كل ما تقول، وتقول كل ما تعني؟

 

- بالتأكيد! وأنتِ؟

 

- أنا.. أنا أقول ما لا أعني، وأعني ما لا أقول.

 

- هذا طلسم.

 

- أليست الحياة طلاسم؟!

 

- غموض أحياناً، وليست طلاسم. أنا واضحٌ كالشمس، أما أنتِ فغامضة كوجه القمر الخفي.

 

- بل يقال إن الرجال من المريخ والنساء من الزهرة، وأننا نفصح عن مشاعرنا بينما أنتم تخفونها. أتدري أيها المريخي نسيتُ أن أسألك ما هو لونك المفضل، أو متى عيد ميلادك أو كتابك المفضل، ووو..؟

 

- أيتها الزهرة. أنتِ لوني المفضل، ولادتي عندما عرفتكِ، وأنتِ كتابي، وأنتِ صديقتي و..

 

- إذاً أنتَ من أنتظره طويلاً، فليس لي رفاق.

 

غالبتُ دمعةً مدويةً كادت تسقط فيسمعها. ارتجفتْ يدي:

 

- لا أدري لم أشعر بالبرد رغم أن في داخلي كتلة من اللهب.

 

قدم لي معطفه فغصت في رائحته.. مخدّرة مثل زهر الليمون.

 

في المذياع تصاعد صوت ناعم للمذيعة:

 

- الخطوط مفتوحة! ستُغلق بعد قليل.

 

- أسمعتِ ما تقول؟

 

- تقول الخطوط مفتوحة.

 

- أي خطوط؟ الحمراء؟

 

- الهاتف طبعاً.

الخَبَرُ الحَيّ

 

خرجتُ إلى الخبّاز لأبتاع تسعة أرغفة حيّة. يقع المخبز في الطرف الأقصى من البلدة بجوار المسجد ذي القبة الذهبية الذي يتوسط حقلاً من أشجار التفاح والزيتون. أمرّ في طريقي إلى الخبّاز بالكثير من المحلات الصغيرة ثم أعبر السوق المفتوحة في ساحة البلدة التي يفترشها البائعين والبائعات يعرضون بضائعهم الطازجة والبائتة.

 

كان الجو خريفياً بارداً فاعتمرت قبعة صوفية، وارتديت معطفاً سميكاً. البقالّ أول من مررت به؛ لكن في مكانه وجدت شخصاً آخراً لم أعرفه، أصلعاً حليق الشارب واللحية. هل أنت جديد؟! ضحك: ألم تعرفني؟! لا! تغيرت كثيراً! ابتعتُ منه قارورة حليب صغيرة وأنا مندهش: لم يقم بحلاقة شاربه من قبل!

 

لم ألقي بالتحّية على الجزار كعادتي لأنني عندما مشيتُ بمحاذاته شممتُ رائحة مقززة، وكأنها لفئران ميتة فابتعدت عنه.

 

تذكرت.. أحتاج قلماً ومحبرة فلقد جفت أقلامي فتوقفت عند باب القرطاسية. نظرتُ عبر الزجاج ولم أجد أبو رائد. دخلت المحل وناديت: أبو رائد.. أبو رائد! فأجابني طفل لم يبلغ الرشد: أنا رائد! رائد؟! نعم! أبي لن يحضر اليوم. مريض! تفضل! لكن أبو رائد أخبرني أن ابنه يرتاد الجامعة! ربما خانتني الذاكرة. اِبتعتُ ثلاثة أقلام رصاص، وقلم حبر، ودواة حبر، وحزمة أوراق صفراء، وكعادتي الجريدة اليومية، فقد تحمل أخباراً طازجة.

 

نسيتُ أنّ الطقس بارد، وانتبهت عندما مررتُ ببياع الأحذية إنني أرتدي نعال الحمام. غمرني الخجل من قمة رأسي إلى أخمص قدمي: ماذا سيقول الناس! غطيت قدمي بطرف الجريدة. جلست سريعاً لئلا يرى قدمي البائع المخضرم: إحسان. أحضر لي زوجاً صينياً فارتديته على عجل عندما أدار ظهره ليبحث عن زوج آخر.

 

تجاوزت محلي الأقمشة والملابس الجاهزة فلحسن حظي زوجتي كانت نائمة عندما خرجت، ولم ترهقني بأية طلبات: إبر، خيوط، قماش بمربعات أو مُقلّم، جلابّية مطرزة بزخارف يدوية، الخ...

 

وصلتُ الساحة التي تضجّ بالحياة. طوفانٌ من البشر: الباعة، والمشترين، والمتفرجين، والمشردّين، والروائح تتصارع في الهواء؛ لكنها تخلو من الأطفال. اليوم جمعة يبدو أنهم ما زالوا نائمين.

 

لم أشرب الشاي قبل الخروج من المنزل فتوقفت عند عربة بائع الشاي على الفحم. أعطني شاياً، وزد ثلاث ملاعق من السكر! ارتشفت رشفة حارة أحرقت لساني، طعمه كان مقززاً كالقيء فسكبته في قارعة الطريق.

 

اشتهيتُ البيض عندما مررت بالبائعة المتلثمة فاشتريت ست بيضات مرقطة بالأسود بحجم بيض النعام لكنها أقسمت إنه بيضُ دجاجٍ فاخرٍ من الدرجة الأولى تربيه في مزرعتها. إن كنت سأعدّ لي ولزوجتي شكشوكة للفطور سأحتاج للطماطم والبصل. عند بائع الخضروات توقفت لكن كلّ الطماطم كانت فاسدة فلم أشتريها، وبحثت عن البصل ولم أجد ولا بصلة واحدة في كلّ السوق. انقرض البصل!

 

مررت بتلة من القاذورات، ورأيت ماعزاً تمضغ الأوراق. خالجني الأسى فأسقيتها قنينة الحليب. سأشتري قنينة أخرى في طريقة عودتي لئلا تثور زوجتي، وتسوّد يومي.  

 

أخيراً، وصلت إلى الخبّاز؛ لكنه كان مُغلقاً على غير عادته. أصابني التوتر: هل تأخرت إلى هذه الدرجة فنفد الخبز؟! هل مات قريبٌ له فأغلق المحل؟! ماذا سنأكل في الفطور؟! خبزٌ بائت!!!

 

افترشتُ الجريدة. جلستُ على دكة المخبز يائساً. وضعت يديّ فوق رأسي أفكر بأمرّ الأرغفة الميتة. ستستيقظ زوجتي وتعاتبني على تأخري. مرّ بي بائعٌ قزم اشتريتُ منه علبة سجائر، ورغم إني أقلعتُ عن هذه العادة الذميمة؛ لكن استنشاق النيكوتين، والإمساك بواحدة بين السبابة والإبهام كعادتي السابقة خففّ من قلقي.  

 

سمعتُ المذياع يزمجر.. دويّ المدافع.. وابل من الصواريخ.. انفجار قنابل فسفورية.. أزيز طائرات عمودية.. انهيار عمارات سكنية فرميت بالسجائر القاتلة وهرستها بكعب حذائي الصيني الجديد.

 

في تلك الأثناء سمعت من أحد المارة أن أهل الحي أعدّوا عدّتهم لحفلة تنكرية. لُذّت بالفرار. لا أحب التجمعات الصاخبة. ركضت صوب الحقل. أردت الدخول إلى باحة المسجد، ووجدت الباب مغلقاً في وجهي فساعة الظهر لم تَحُنْ بعد. كانت بعض أشجار الزيتون والتفاح نافقة؛ لكني لم أجد ماء لأسقيها.

 

هبّت عاصفة صحراوية فسدّ أنفاسي الغبار الأبيض. صنعت لي كمامة من الأوراق الصفراء غطيت بها أنفي وفمي

 

لحقت بي جماهير الحفلة التنكرية. حاصرتني الأقنعة. قناع يسقط، وقناع يرتفع، وقناع يتمزق، وقناع يُحاك، وقناع المهرج أتقدّ، وأحمرّ كفرن الخباز. حينها شهقتُ، بكيتُ، وندبتُ الخُبْزَ الحيّ وصفق من في الحفلة وغنوا بأصوات جنائزية: سقط القناعُ عن القناعِ عن القناعِ

 

١٣ أكتوبر ٢٠٢٣م

نجاة الشافعي

 

 

 

 

 

Black & White

I am half half

black & white.

 

sometimes I say

my mother is a black knight flying a kite

my father is a white kite flying at night

sometimes I say

my mother is a white kite flying at night

my father is black as a knight flying a kite

 

I am a mixed race,

so, it does NOT matter who is a black & who is white!

which side of the moon is dark & which side is bright!

I am the 2 sides in a shiny night full of stars.

 

I keep the secrets hidden in my eyes

throne under my colored skin that never dies

pebbles obstructing my throat

signs on my face, hands & feet

hangers of my coat in the street

ME ME ME is my beat

black & white!


Writing and drawing: Najat Alshafie

الفأرُ الأسد

الفأر قذر لكن ذكي .. الفأر قارض سريع الحركة.. الفأر سريع الهرب..

 

سماه أحدهم "الفأر" فتطايّر اسمه بين الناس، وذاع صيته: الفأر راح.. الفأر جاء.. الفأر قادم.. الفأر والفأر والفأر.. وهو يهز ذيله، وينفخ صدره، ويقفز فوقاً وتحتاً، يميناً وشمالاً، تارة يختبأ، وتارة يظهر، وتارة ينهب الجبن، ويستمتع بمضغه، وتارة لا يَمَسّه، الفأر يراوغ..

 

الفأر لا يأكل بطريقة الفئران. الفأر شره. يحب البصل والثوم واللحوم، وزيت الزيتون ويعصر الكثير من الليمون، ويقضم قرون الفلفل الحار فيطفئ اللهب بالماء البارد جداً.

 

الفأر يدخن ويدخن ويدخن بشراهة.. ويلقي بأعقاب السجائر.. في المخادع.. تحت الأسرة.. فوق المخدات.. بين الشراشف.. على مساند المقاعد..

 

عندما يعود تَفرُك الفأرة عيناها، تقوم من نومها لتسخّن له العشاء، يغضب منها:

- أنا الفأر!! حتى وإن أتيت متأخراً لا تنامي!

 

وعندما تضع مساحيق التجميل

- يا فأرة! لمن وضعتيها! لم أكن موجوداً! امسحيها!

 

وحين لا تضع المساحيق:

- يا فأرة! سُحنتك كالحة! ضعيها! أنا الفأر! أنا موجود!

 

الفأر ينام بطريقة خاصة، يستلقي على ظهره، ويضع رجلاً على رجل، ويتفرج على (التيك توك) حتى الفجر ويصل شخيره حتى الغابة البعيدة..

 

ذات يوم سقط الأسد في الشبكة.

 

الفأر بطل.. الفأر منقذ!!

 

قرضَ شبكة الأسد لأن الفأر ماهر وأسنانه حادة لاسيما قواطعه وزئير الأسد أوجع رأسه؛ لكن الأسد ناكر الجميل عندما تحرر من الأسر جاع جوعاً شديداً فالتهمه بِدْءًا برأسه ولم يدع سوى ذيله.

 

تندر أهلّ الحي على الأسد واسموه فأراً، وفي البئر رأى له ذيلين يهشّ بهما الذباب، وتقلص حجمه حتى دخل في جحر ضَبّ.

 

نجاة الشافعي

٦ / ٦/ ٢٠٢٣ م

 

ملاحظه: أود التنويه إن الموقع لا يتوافق مع أدوات الترقيم العربية