منْ لمْ يحضرهُ غيابهم

عندما ينحتُني غيابهم

مساحتي تفرغ

أبعادي تقصُر

.تطولُ مسافة الانتظار

 

أوقدُ ألواحَ الليلِ جمراً

لأحتفي بوداعهم

في نشوةٍ فاضحة

:أناشدهم بيأس

!لتكن المرة الأخيرة

 

تغيبُ الألوانُ

لكِّن الأشكال لا تغيب

تغيبُ الأشكالُ

!لكِّن الزوايا لا تغيب

 

لستُ وحدي

في غيابهم

تلهو بقربي

حمائمٌ هجرتْ بيوتها

بيوتٌ أضاعتْ أبوابها

أبوابٌ فقدتْ أقفالها

أقفالٌ صدئتْ مفاتيحها

.مفاتيحٌ انحرفتْ زواياها

 

وأكثر من ذلك

تلازمني كظلي

مدينة لا ترى ظلها

تطمسُ وشمهم

تتساقط أهدابها مساميرَ

.في الوحل

 

في المقهى بشارع السوليدير

زاويتنا خالية

منضدتنا يغزوها الغبار

.وكراسينا فارغة

 

قهوتنا سادة

برائحة حرمانهم

محصولُ تبغنا

.تحصدهُ لوثةَ النسيان

 

شفاهنا فاترةٌ

ترتشِفُ مرارةَ فقدِهم

وشمعُ أيدينا

.يفتقدُ جَذوَة اللمسْ

 

هَجَرتنا المَرَايا

فبقيتْ صورَهم طافية

.على سطح ذاكرةٍ مُعْتِمة

 

لا أرى مِنْ حولي

سوى ماءٍ راكد

انحبسَ عند منبعهم

.وتحجر

 

ستائرَ تقف في مكانها

فقد عاهَدتْ الصمتَ الذي غشيهم

.على مجاراتهِ في الحديث

 

تذهلني مسافةَ العدم

ما تمسُّه يداي ذاهبْ

ما تعانقه عيناي لا يعود

.ما أسيرُ له سيسيرُ بدوني

 

غيابهمْ

علق في ثيابي

أنفضه فيلتصق أكثر

سُكْرُه يتسللُ إلى فمي

.فأثملْ

 

أصافحُ الهواء بشوق

عندما يداعبُ أطرافي

.ففيهِ حرارة أنفاسهم

 

أقبلُ جدران السموات والأرض

.لأنهم منحتهم صكوكَ برائتهم

 

أنْصِت لمِد طفولتِهم الصاخبة

أجراسِ ضحكاتِهم الرنانة

حين يلهون بين الزويا المنفرجةِ

.في الحقولْ

 

أقطفُ عناقيدَ الغيمِ الأسمرْ

أرشَّ خلاصةَ عطرِها

على عُشبِ أحتضنَ أجسادهم

.فأشم ريحهم الطرية

 

أُمطِرُهم نهرَ القلبْ

.وما يحتويه من دفقْ

 

أرصدُ أحلامهم

في الجهاتِ الأربع

قلائدَ  أُعلقها

.حول أعناقِ النجومْ

 

نمتُ طويلاً

أيقظني ريحُ قميصِهم

أَسَرَّ في أُذني آخرَ أحلامهمْ

الآن حانَ وقتُ شروقِنا

.ولم يحن وقتُ غيابِك بعد

 

لا أتكلمْ

لا أرىْ

لا أسمعْ

سواهم

.ليحضُرني غيابُهم

 

ألوانُهمْ

أشكالُهمْ

زواياهمْ

.لا تغيبْ

 

 

:إهداء 

إلى أطفال قانا الأولى والثانية

هم حاضرون في الغياب

بينما نحن غائبون في الحضور

 

18 -8-2006