الضوء في آخر النفق
1
سارا في النفق المعتم يتخبطان كانا وحيدان جداً توقفا برهة لإلتقاط أنفاسهما
قال: هل ترين ضوءا في آخر النفق؟
قالت: لا أرى شيئاً!
قال: تمعني جيدا لتريه!
قالت: ما زلت لا أرى شيئاً!!
قال: أرتدي نظارتك لتريه!!
قالت: لا فائدة لا أرى شيئاً!!!
قال: جربي أن تغمضي عينيك لعلك تريه!!!
قالت: أجل أجل لقد رأيته الآن، أراه بوضوح!!!!
وانطلقا يمشيان في النفق هو يمسك بيدها وهي تدله على الطريق، وشيئاً فشيئاً أتسعت دائرة الضوء التي تحيط بهما ثم غمرهما تدفق نوراني هائل.
2
كنت أغادر المنزل أحياناً عند العصر إما لشراء الآيس كريم من أبو أحمد في محل البقالة الصغيرة المقابل لبيتنا أو لزيارة بيت الجيران للعب مع صديقتي وديعة وكنت في بعض الأحيان أرى امرأة تلتحف بعبائتها السوداء وتسدل الغطاء على وجهها وتمسك بيد رجل عجوز أعمى متكأ على عكازه الخشبي عيناه بهما بياض شاسع غطى على السواد، تسير مهرولة به وقامته تتهادى للأمام والخلف ثم تقطع الشارع العام حتى تختفي عن ناظري. كنت أشاهد هذا المنظر فأتأثر بشدة وأكاد أبكي في داخلي لوفاء تلك المرأة النادر وتضحيتها واتسأل في قرارة نفسي من تكون تلك المرأة؟ هل هي أبنته أم أخته أم زوجته ؟ لماذا تسير بعجلة؟ وإلى أين تقوده؟ وتكرر ذلك المنظر في طفولتي المبكرة ورسخ في ذاكرتي كصورة من صور التضحية والوفاء والآن عندما أسترجع ذلك المشهد يراودني سؤال ملح: لو كانت تلك المرأة هي العمياء هل سيقودها ذلك الرجل سواء كان أبوها أو أخوها أو زوجها ؟ لكن كنت أستعيذ بعدها من الشيطان لأن لو تفتح باباً للشيطان.
3
حدثتني عمتي قبل عدة سنوات ليست بالقليلة عن زوج جدتي لأبي الذي تزوج امرأة عمياء كان هو رجل طاعن في السن وكانت هي شابة في أواخر العشرينات لم يتقدم أحد لخطبتها لأنها ولدت من بطن أمها وهي عمياء لذلك لم تفتقد العالم الخارجي لأنها منذ صغرها كانت تعيش في عالم آخر نسجته بنفسها وسنين عمرها الغض سكب عليها نفط أسود غليظ فالتصقت ببعضها البعض فلم تعد تميز بين واحدة وأخرى عمتي تقول أنه بعد زواجهما بدت الفتاة سعيدة وكانت تقوم بحقوقها وواجباتها الزوجية على أتم وجه تطبخ وتكنس وتغسل الملابس وتعتني بزوجها لكن لا تخرج من البيت على الإطلاق وحتى زوجها أقعده المرض وظل حبيس الفراش حتى توفي لكن تتوقف عن ذاك الحد لأنها لا تعلم عن المرأة شيئا بعد ذلك سوى أن أهلها جاءوا وأعادوها لعالمها ثانية.
4
من أفضل ألعابي وأحبها إلى نفسي عندما كنت طفلة صغيرة كان أن أغمض كلتا عينيي بقوة ثم أضغط على جفنيي بأصبعي السبابة والإبهام فأرى أشكالا وزخارفا وألوانا عديدة، في البدء تتداخل الصور فيما بينها فلا أميزها كشعور من يلج نفقاً معتماً بعد أن كان في الضوء الساطع، ثم تتضح الرؤية أمامي شيئا فشيئا بعد أن تعتاد عيناي على الظلام فتغمرني السعادة للصور الزاهية التي أراها، أرى سماء واسعة وطيورا وفراشات أحلق معها، وأرى قصورا ضخمة واحدا منها لي وحدي أتجول في غرفة الواسعة ثم أصل لغرفتي التي تحوي أثاث فخم لم يره أحد من قبل وسريري مفروش بريش النعام لأتزحلق عليه وأنام أيضا وخزانات ملابسي ضخمة بحجم المحلات التي في الأسواق وبها ملابس على أحدث الموضات العالمية وتتوسط الغرفة مرآة كبيرة مرصعة حوافها بالذهب ولدي من الحلي جميلة ذهب وفضة وألماس ومجوهرات ما لا يعد ولا يحصى وفي الركن ثلاجة كبيرة أو حتى بقالة صغيرة كبقالة أبو أحمد بها كل ما تشتهيه نفسي من شوكولاته وحلويات وكعك وأيس كريم ومكسرات وعصيرات ومشروبات غازية، وأرى فارساً شهماً على حصان أبيض يختطفني بين ذراعيه ويقيم لي حفل زواج أسطوري كزواج ديانا سبنسر أو حتى أفضل منه فتعم الاحتفالات أرجاء المملكة وتمد الولائم عشرة أيام بلياليها لعامة الشعب، وأرى أني أصبحت سيدة منزل أنيقة لي أبنتان وولدان مطيعان أدير مؤسستي الخاصة وأسافر في كل شهر لعقد الصفقات مع كبار المؤسسات في الخارج لكن سرعان ما تنتشلني من أحلامي الوردية كلمات أمي السوداء وهي تناديني بأعلى صوتها: “هيا تعالي بسرعة! هل أنت عمياء! ألا ترين شيئا لقد أتسخت ملابس أخاك بالحليب! تعالي أمسكي بالزجاجة وأسقيه الحليب هو لا يجيد إمساكها لوحده، هيا أسرعي إنه ما زال يبكي جائعاً! وبعد أن تنتهين من إطعامه خذيه للحمام!
4/10/2006