Najat Alshafie نجاة الشافعي

View Original

من لم يحضره غيابهم

منْ لمْ يحضرهُ غيابهم

 

عندما يفتت غيابهم فؤادي الفارغ

أبعادي تقصُر

أطرافي تنكمش

وتطولُ مسافة الانتظار

 

أوقدُ ألواحَ الليلِ جمراً

لأحتفي بوداعهم

في خلوه خانقه

أناشدهم بخوف

لتكن المرة الأخيرة!

 

تغيبُ الألوانُ

لكِّن الأشكال لا تغيب

وتغيبُ الأشكالُ

لكِّن الزوايا لا تغيب

 

لستُ وحدي

في غيابهم

تنوح بقربي

حمائمٌ هجرتْ بيوتها

بيوتٌ أضاعتْ أبوابها

أبوابٌ فقدتْ أقفالها

أقفالٌ صدئتْ مفاتيحها

مفاتيحٌ انحرفتْ زواياها

 

وأكثر من ذلك

تلازمني كظلي

مدينة لا ترى ظلها

تطمسُ وشمهم

تتساقط أهدابها مساميرَ

في الوحل

 

في المقهى

زاويتنا خالية

منضدتنا يغزوها الغبار

وكراسينا فارغة

 

قهوتنا سادة

برائحة حرمانهم

محصولُ تبغنا

تحصده لوثةَ النسيان

 

شفاهنا فاترةٌ

ترتشِفُ مرارةَ فقدِهم

وشمعُ أيدينا

يفتقدُ جَذوَة اللمسْ

 

هَجَرتنا المَرَايا

فبقيتْ صورَهم طافية

على سطح ذاكرةٍ مُعْتِمة

 

لا أرى مِنْ حولي

سوى ماءٍ راكد،

انحبسَ عند منبعهم

وتحجر.

 

ستائرَ تقف في مكانها،

فقد عاهَدتْ الصمتَ الذي غشيهم،

على مجاراتهِ في السكوت.

 

تذهلني مسافةَ العدم،

ما تمسُّه يداي ذاهبْ،

ما تعانقه عيناي لا يعود،

ما أسيرُ له سيسيرُ بدوني.

 

غيابهمْ

علق في ثيابي،

أنفضه فيلتصق أكثر

سُكْرُه يتسللُ إلى فمي

فأثملْ.

 

أصافحُ الهواء بشوق،

عندما يداعبُ أطرافي، 

ففيهِ حرارة أنفاسهم.

 

أقبلُ جدران السماوات والأرض،

لأنها منحتهم صكوكَ براءتهم.

 

أنْصِت لمِد طفولتِهم الصاخبة،

أجراسِ ضحكاتِهم الرنانة،

حين يلهون بين الزوايا المنفرجةِ

في الحقولْ.

 

أقطفُ عناقيدَ الغيمِ الأسمرْ،

أرشَّ خلاصةَ عطرِها

على عُشبِ أحتضنَ أجسادهم،

فأشم ريحهم الطرية.

 

أُمطِرُهم نهرَ القلبْ 

وما يحتويه من دفقْ.

 

أرصدُ أحلامهم

في الجهاتِ الأربع

قلائدَ أُعلقها

حول أعناقِ النجومْ

 

نمتُ طويلاً

فأيقظني ريحُ قميصِهم، 

أَسَرَّ في أُذني آخرَ أحلامهمْ

الآن حانَ وقتُ شروقِنا 

ولم يحن وقتُ غيابِكِ بعد

 

لا أتكلمْ

لا أرىْ

لا أسمعْ

سواهم

ليحضُرني غيابُهم.

 

ألوانُهمْ

أشكالُهمْ

زواياهمْ

لا تغيبْ.

 

 

 

18 -8-2006 م