عندما أرْحَلُ قَريبَاً
عندما أرحل
لا تَرثُونِي حتى بكلمة واحدة
لا تبكوني حتى بدمعة يتيمة
لا تنثروا الرياحين في إثرِي
وأبذروا البهجة في الحقول
يكفي ما في العالم من بؤس وشقاء
لا تنتحبوا بل أضحكوا
لأودعكم وأنا أبتسم
.فهو آخر لقاء
عندما أرحل أزرعوا ذاكرتي
نخلة واقفة على قارعة الطريق
أُظل المارين عند الأصيل
يقطفوا منها الرطب والحب
.أشاطرهم أحاديثهم العابرة
أحرقوا كتبي.. لوحاتي.. كلماتي الصدئة
لتمنح اليتامى دفئاً في الشتاء
اِتلو كل قصائدي للأطفال
ليكبروا عندما يداعب خيالهم حلم القوافي
اِتلوها للكبار ليمارسوا البراءة في الطرقات
اِتلوها للنساء ليتأجج العشق خبزاً حاراً في أفئدتهن
يخبئن أسراره تحت ضلوعهن
اِتلوها للرجال ليعاقروا الحب
ويعبروا الجسر
.للأنثى التي تنتظرهم كل مساء
عندما أرحل
هبوا كل أمتعتي للغرباء
لتأسرهم الذكرى
الحنين إلى الوطن والنساء
فيعودون سراعاً كالحمائم للقفص
.كالصورة الملتصق بالمرآة
كنا سوية
نتقاسم الخبز اليابس والكلمة المرة معاً
الدمعة المنسكبة والبسمة المغتصبة معاً
وعندما يجافينا النوم
نلتحف بالقصيدة ونناجي القمر
نشرب أقداح السهر
تُسكِرُنا
تُخدِّرُنا
نُحَلِّق
.ولا نهجع
ثم توارت الذكرى خلف الضباب
صرنا غرباء وهجرتنا الحياة
.جرفنا المد إلى شواطىء الحرمان
لم تفهموني ولن تفهموني حتى بعد أن أرحل
لأن الصمت يتحدث بأبجدية العشق
يحتاج إلى قلب صافٍ
وامرأة وحيدة كالنار
.تتحدث لغة الماء
تركتُ لكم كل المساحات الصفراوية
لتتمددوا فيها وتتضخم ذواتكم
لترقصوا فيها رقصة المنتشين
واكتفيتُ بحقيبة سفر وقلم
فرشاة وألوان
وصور باهتة
أُلونها لعلها تسطع كما كانت
أكتُبُ لتشرق وجوهكم الملونة
.في صفحة قلبي البيضاء
لم أنساكم يوما ولن أنساكم
فحبل ذاكرتي السري طويل
.يمتد من روحي إلى سدرة المنتهى
صدقوني
لا أستحِّقُ دنياكم ولا تستحقني
لم أُحببكم ولم أُحب نفسي
لكنني أحببتُ تجليات العشق فيكم
فاصلبوني
ثم احرقوني
ثم ادفنوني
في محاريب العاشقين
.في تابوت الغواية تحت الجدار
وعندما تدفنوني
أزيلوا كل أوراق التوت الصفراء
إكشفوا ضعفي وقوتي وأسراري
الوجع وكل الجراح الغائرة
.الألم والحزن والقليل من الفرح
أرجوكم تريثوا قليلاً
دعوني اُُشبِع بصري
من بسمة طفل يتيم تنبع من صفاء روحه
نظرة توق تتلألأ في عين حبيب
أعبُّ من أنفاس الهوى
.في ليلة صيف مقمرة
وأخيرا اِبذروا حروفي
في رحم الأرض المقفرة
لتنبت المطر والزهر
الفصول والأمل
النخل والبحر
واقرأوا أبجدية امرأة ضعيفة
أقداحها فارغة
.إلا من إنجيل الحب
ثم امضوا في طريقكم
اِهجروني ما شئتم
عَبوّا كؤوسكم من رحيق الحياة
حتى تثملوا
لن أعتب عليكم
سأحبكم كما أنا بكل جنوني وهيامي
لأني لا أعرفُ للكُرْهِ باباً
أو نافذة إلى قلبي
امضوا.. سيروا.. اذهبوا
يرافقكم حنيني ودعائي وحبي
.حيثما كنتم
:واِختموا على قبري بالشمع الأحمر
ولدتْ غريبة
عاشتْ غريبة
ماتتْ غريبة
سلامٌ على الغرباء
.طوبى للغرباء
عندما أرحل
لا تودعوني
لا تحزنوا
سنلتقي قريباً
على جناح غيمة بيضاء
في حقول الزيتون
نصنع أعشاش النوارس فوق النخيل
نقطف التين والرمان
نطعم الأيتام المن والسلوى
مستبشرين
تشتبك أيدينا بحممية
تلتقي نظراتنا المتلهفة
.ونتعانق طويلا
سأراه هناك
قادماً من أقصى الشرق
ممتطياً صهوة جواد أحمر
مبتور الأصابع
يرسم بقلبه كل الألوان الدافئة
يتحدث أبجدية الهوى المفقودة
يفهم لغة الصمت والحياة
الغارقُ في الضياء
يخطفُ عبق الياسمين والأزهار
يُخِّضِبُني بطين الأنهار
يُعمدني بحناء الأشجار
:يُسِّرُ في أذني
أنتِ مني
نذَرتُكِ لي
وأوفيتِ بالنذر
فأبتسم
وأنام في حضنه
آمنة مطمئنة
.كما كنت جنيناً في أحشاء أمي
:نص ورسم
نجاة الشافعي
24/7/2015