Najat Alshafie نجاة الشافعي

View Original

أمُّ وجهين

رسمتي بقلم الحبر الأحمر على ورق

أمُّ وجهين

 

فاجأها وهُم على طاولة الطعام. طفلها الصغير يثرثرُ دائمًا ولا يتوقف، حتى وهو يمضغ الكلام يتحدث ويتحدث عن كل شيء وعن أي شيء، هَازَّا كُرسّيه بلطف وأحيانا بعنف، وهي تتحملُ ما لا تُطيق. قال: حَلِمْتُ إنه لديّ أُمَّينْ: واحدة طيبة وواحدة شريرة، الطيبة أعطتني ألعاب وحلويات والثانية ضربتني ثم صحوت من النوم باكيا.

 

سقطتْ الملعقة المعدنية من يدي بدون شعور، ارتطمتْ بالصحن الزجاجي ذي الحواف المذهبة فأحدثتْ قرقعة. كَمَنْ أُلقِيّ عليها سطلٌ من الماء المثلج ارتجفَ قلبي وصرخَ عقلي. كنتُ قد صِحتُ به قبل أن ينام عندما داسَ على قدمي بدون أن يشعر وهو يركض خلف أخيه الصغير، وربما حلمه عَكَسِ خوفه ورعبه مني. لكن هل أنا حقا أمٌّ ذات وجهين؟!

 

أفاقتْ ذاكرتي من سباتها. هَزَنِّي موقفٌ جمع بيني وبين صديقتي المعَّتقَة التي أراها قليلا بسبب الأطفال. خاطبتني متعجبة: كُنتِ أكثر صرامة. إذا لم يعجبك شيئا تقولين يجب عليهن أن يفعلنّ ذلك، أن يجدن الوقت للعمل التطوعي وخدمة المجتمع، والآن تقولين عادي براحتهن وتتعذرين لهن، مسكينات لا يستطعنّ، ربما لديهنّ ظروف. ما الذي حدث لكِ؟ كيف تغيرتِ؟! انقلبتْ أحوالكِ؟! وأنتِ أيضا ممن تقاعسنّ عن العمل الخيري.

 

لم أُبِح لها وربما لم أُدرك ما الذي حدث إلا بعد أن قرع ابني جرس القطة لأسمعه كفأرة مذعورة مُطارَدَة. تفحصتُ وجهي في المرآة وقد غزته التجاعيد واتسعَتْ الهالاتُ السوداء تحت عينيّ وقد زحف الشعر الأبيض وغزا مفرقي. من أنا؟ هل أنا أمٌّ ذات وجهين؟